ذكرى ميلاد: عبد الحميد صبرة.. حيث توقف العلماء العرب

08 يوليو 2021
(عبد الحميد صبرة، 1924 - 2013)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثامن من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد المؤرخ والباحث المصري عبد الحميد صبرة (1924 – 2013).


يرى عبد الحميدة صبرة الذي تحلّ اليوم الخميس ذكرى ميلاده أن العلماء المسلمين، خاصة في مجال الفلك، حقّقوا نقلة نوعية ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، بحيث وضعوا أسس العلم الحديث كما عرفه العالم على يد كوبرنيكوس وغاليليو، إلا أن أسباباً غير معروفة كانت وراء عدم اتخاذهم خطوة جريئة في القول إن الشمس هي المركز الذي تدور حوله الكواكب، رغم أن نماذجهم الرياضية في رسم المجموعة الشمسية تكاد تكون متطابقة مع ما وضعه العلماء الأوروبيين بعد نحو عقدين.

يرى المؤرخ والباحث المصري عبد الحميد صبرة (1924 – 2013) أن العرب كانوا على أعتاب ثورة علمية غير مسبوقة، حيث استطاع علماء الفلك المسلمون في مرصد مـراغـة غربي إيران أن يطوّروا النظام البطلمي من خلال إيجاد معادل رياضي لم يكن يصل إليه سواء اليونان من قبلهم، أو الصينيون في زمنهم، قبل أن تأفل الحضارة العربية الإسلامية.

وُلد الراحل في مدينة طنطا، وتوجّه إلى دراسة الفلسفة في "جامعة الإسكندرية" التي تخرّج منها عام 1950، وتحصّل على منحة حكومية لدراسة فلسفة العلوم في "كلية لندن للاقتصاد" التي نال منها درجة الدكتوراه في عام 1955 تحت إشراف الفيلسوف النمساوي كارل بوبر عن أطروحة بعنوان "نظريات الضوء في القرن السابع عشر".

أعاد التفكير بالعلم باعتباره عملية تاريخية متصلة للإجابة عن سبب توقّف الحضارة العربية

يروي صبرة في مقابلة سابقة أنه بعد عودته إلى التدريس في "جامعة الإسكندرية"، اهتمّ بناءً على نصيحة من أستاذه أبو العلا عفيفي، الباحث في الفلسفة والفكر، أن يستفيد مما وضعه مؤرّخ العلوم مصطفى نظيف من مؤلّفات حول علوم العرب، ما وجّهه نحو البحث في تاريخهم، تتملّكه رغبة في إعادة التفكير في العلم، باعتباره عملية تاريخية متصلة، محاولاً الإجابة عن سبب توقّف الحضارات العربية والصينية واليونانية عن التقدّم، وكيفية تطوّر الفكر العلمي عبر التاريخ وما مرّ به من أخطاء وتصحيحات، وكثير من التراجع والتقدّم خلال إطار زمني يجب فهمه.

ويشير إلى أن علوم العرب استفادت من كلّ التراث الإغريقي والفارسي والهندي، وليس بعضه كما يقول بعض المؤرخين، وتمكّنوا من استيعابه واستخدامه استخداماً مستنيراً بعد أن وصلتهم نتائج ومعطيات تبدو متناقضة في ظاهرها كما في حساب المثلثات والدوال الذي أتاهم من الهند ووضعوه إلى جانب النظام الستيني الذي عرفه البابليون ووصل إليهم عبر اليونان، واستخرجوا نظاماً جديداً لم يكن معروفاً لدى الهنود ولا اليونانيين، وهو ما بنى عليه الغرب نهضته العلمية لاحقاً.

ويبيّن صبرة أن العرب استخدموا مناهج علمية في بعض العلوم تقترب من المنهج اليوناني، لكنهم في علوم أخرى وضعوا مناهج حديدة مثل "المنهج التجريبي" الذي اعتمدوا عليه في علم الميكانيكا وعلوم البصريات والفلك، ومارس هذا المنهج تأثيره أيضاً على الأوروبيين خلال القرن السابع عشر.

يُذكر أن عبد الحميد صبرة ألّف العديد من الكتب، منها "نظريات الضوء من ديكارت إلى نيوتن"، و"الثورة الأندلسية على الفلك البطلمي.. ابن رشد والبطروجي"، و"الضوئيات والفلك والمنطق في العلم والفلسفة العربية"، و"المنطق عن ابن سينا"، و"التخصيص والتجنيس اللاحق للعلوم اليونانية في إسلام العصور الوسطى"، و"إسهامات العالم الإسلامي في تقدم العلوم"، و"التحوّل والتقاليد في العلوم"، و"موقع العلوم العربية"، كذلك ترجم كتابي "عقم المذهب التاريخي"، و"بؤس الأيديولوجيا: نقد مبدأ الأنماط في التطور التاريخي" لكارل بوبر.

المساهمون