ذكرى ميلاد: جورج أبيض.. دور في تأسيس المسرح المصري

05 مايو 2021
(جورج أبيض، 1880 - 1959)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس من أيار/ مايو، ذكرى الفنان المسرحي اللبناني جورج أبيض (1880 – 1959).


يلفت نقاد الفن ومؤرّخوه إلى أن جورج أبيض الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده كان عنوان مرحلة جديدة في المسرح المصري بداية القرن الماضي، الذي انتقل من طابعه الغنائي الاستعراضي ليصبح فناً مستقلاً يحمل مضامينه الخاصة، وبدأ مفهوم الاحتراف يأخذ مكانته بعد عقود عدّة من الصعود إلى الخشبة من باب الهواية.

أراد الفنان المسرحي اللبناني (1880 – 1959) الذي اتخذ مصر وطناً، أن يقدّم كلاسيكيات المسرح العالمي بطابعها المأساوي التراجيدي، وعرض بالفعل العديد من المسرحيات، في وقت كان مسرح التطريب الذي نشأ على أيدي كبار المطربين آنذاك آخذاً في التراجع. وفي تلك اللحظة التاريخية، وتحديداً في عام 2013، حيث ضمّ إلى فرقته سلامة حجازي (1852 – 1917)، ليؤدي مجموعة من الأغاني بين فصول مسرحياته جذباً للجمهور العادي، ويستطيع بذلك جورج أبيض أن يواصل عمله الذي كان يستقطب النخب المصرية.

أقنعه سعد زغلول بتقديم مسرحياته بالعربية وكانت فاتحتها مسرحية "جريح بيروت "من تأليف حافظ إبراهيم

ولد أبيض في بيروت بلبنان وهاجر إلى الإسكندرية في الثامنة عشرة من عمره، ليعمل الفتى الذي نال دبلوماً في التلغراف بـ"محطة سكة الحديد"، وهناك قادت المصادفات أن يشاهد الخديوي عباس عرض "البرج الهائل" على "مسرح زيزينيا" ليعجب بأداء أبيض وفرقته التي أُنشئت من مجموعة مثقفي المدينة الهواة، فأوفده إلى باريس لدراسة المسرح عام 1904.

عاد الفنان إلى مصر بحلول عام 1910، وبدأ بعرض مسرحيات باللغة الفرنسية، إلى أن أقنعه الزعيم المصري سعد زغلول بتقديم مسرحياته بالعربية التي كانت فاتحتها مسرحية من تأليف حافظ إبراهيم بعنوان "جريح بيروت"، ولأول مرة يقدّم العمل بواسطة ممثلين محترفين تقاضوا أجورهم عن مسرحية عُرضَت لأشهر عديدة، بعد أن نال دعماً مادياً كبيراً من عبد الرازق عنايت، أحد الأثرياء الذين آمنوا بالمسرح وقدّم دعماً لأبي خليل القباني وحجازي وعبد الله عكاشة إلى جانب أبيض.

آمن بضرورة تحديث المسرح الموجّه لجمهور يسعى الفنان إلى رفع ذائقته ووعيه ولا ينجر لمجاملته

نتيجة للكساد الذي أصاب الفنون المصرية عامة في أثناء الحرب العالمية الأولى، توجه أبيض إلى تونس وأقام فيها عاماً ونصف عام، أنشاء خلالها فرقة بطلب من "جمعية الأدباء" فيها، وساهم أيضاً في تأسيس أول معهد لفن المسرح في تونس، ثم رجع إلى مصر واقترن بزوجته الفنانة دولت أبيض التي تعاون معها في عدد من المسرحيات حتى اقترح عليه الفنان زكي طليمات سنة 1930 إنشاء معهد للتمثيل، وهو حلم راوده قبل ذلك كثيراً، فسارع إلى تقديم طلب بتأسيسه لوزير المعارف الذي وافق وعيّن طليمات أول مدير له، وانبثقت منه فرقة المسرح القومي عام 1935.

بموازاة ذلك، واصل تقديم أعماله المسرحية التي تجاوزت المئة وعشرين عند رحيله، ومنها "أوديب الملك"، و"لويس الحادي عشر"، و"عطيل"، و"تاجر البندقي"، و"ترويض النمرة"، و"عدو الشعب"، و"شارل السادس"، و"تيمور لتلك الساحرة"، و"العشرة الأولى"، و"الشعلة"، و"العرائس"، و"صلاح الدين وملكة أورشليم"، و"أبطال المنصورة"، و"الحاكم بأمر الله"، و"احور محب"، و"عاصفة على بيت".

آمن أبيض بمسألتين أساسيتين: الأولى أن المسرح موجّه إلى جمهور يسعى الفنانون إلى رفع ذائقته ووعيه ولا ينجرّ إلى مجاملته. والثانية ضرورة تحديث المسرح ومأسسة بناه النحتية، وخاصة في ما يتعلّق بتدريب كوادره الذين رأى ضرورة تفرّغهم للفن، كذلك شارك في تأسيس نقابة "ممثلي المسرح والسينما" في القاهرة، وانتخب أول نقيب لها عام 1943.
 

المساهمون