ذكرى ميلاد: إميلي نصر الله.. تأمّل الذكريات والتفاصيل الصغيرة

06 يوليو 2023
إميلي نصر الله (1931 - 1918).
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، السادس من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد الروائية اللبنانية إميلي نصر الله (1931 - 1918).


تروي إميلي نصر الله، التي تحلّ اليوم الخميس ذكرى ميلادها، كيف كانت تتسلل بالقرب من نوافذ المدرسة الابتدائية في بلدتها الكفير بالجنوب اللبناني، صيفاً شتاءً، لتستمع إلى ما يلقى من نصوص شعرية في الصفوف الدراسية، وتحفظها عن ظهر قلب وتعيد ترديدها أمام والدها، لكنها لم تتمكن من الالتحاق بالتعليم بسبب صغر سنّها.

وتشير الروائية اللبنانية (1931 - 1918)، في برنامج "عصير الكتب" الذي عرضه "التلفزيون العربي" عام 2015، إلى أن والدتها أشفقت عليها ذات يوم فرافقتها إلى المدرسة، حيث سألت إحدى المعلمات أن تقبل ابنتها "زرابة"، أي دون تسجيل اسمها في السجل المدرسي، لأنها لم تتمّ السادسة بعد.

وشاءت الأقدار أن يصاب خالها الكاتب والعضو في "الرابطة القلمية" أيوب أبو نصر، وهو أحد القلّة المتعلمين في القربة، بمرض باركسنون، حيث يحافظ المصاب به على طاقته العقلية بينما تصبح حركته بطيئة وغير متوازنة، ما اضطره للعودة من نيويورك إلى الكفير حتى تخدمه قريباته، ليترك أثراً إيجابياً لدى ابنة شقيقته عبر تشجيعها على الكتابة.

أضاءت هوامش الحرب الأهلية اللبنانية، في تركيز على الضحايا والآثار النفسية التي خلّفتها

وتابعت صاحبة رواية "تلك الذكريات" محاولاتها الكتابية في "معهد الشويفات" (مدرسة أهلية في ضواحي بيروت)، حيث أكملت دراستها، بدعم من أستاذ اللغة العربية آنذاك، فشاركت في مسابقات الإنشاء والتعبير، وبعد تخرجها عادت إلى مدرستها لتدرّس فيها لمدّة عاميْن، لكنها انتقلت بعد ذلك لتكمل دراستها في الأدب في "الجامعة اللبنانية الأميركية".

في تلك الفترة، بدأت إميلي، بحسب شهادتها على "العربي"، كتابة نصوصها الأولى في مجلة "صوت المرأة"، ثم أصدرت روايتها الأولى "طيور أيلول" (1962)، التي أرادت من خلالها التعبير عن "الحرقة التي عاشتها بسبب فراق إخوتها الذين هاجروا من لبنان"؛ كتابة عاطفية بالدرجة الأولى ممزوجة بوعيها حينئذ بشأن هجرة المجتمع اللبناني، وربما نال إعجاب القرّاء لأنه كُتب بلغة بسيطة ومتينة البناء مع توفّر الكتاب على جميع عناصر الرواية، على حدّ قولها.

وستواصل الكتابة استجابة للتحولات في محيطها، مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، لكنها أضاءت هوامش تلك الحرب وليس متنها، في تركيز على الضحايا والآثار النفسية التي تبقى لدى المتقاتلين، والحصار الذي يعيشه الناس داخل بيوتهم قسراً بينما الرصاص لا يتوقّف من حولهم؛ صور وذكريات رصدتها في روايتها "الإقلاع عكس الزمن" (1981).

وعلى طريقتها، شحنت إميلي تلك الرواية بحمولة رمزية حول واقع بلادها، حيث المرأة المجنونة في القرية تطلب من العجوز أبو نبيل أن يأخذ معه "حفنة تراب" في زيارته لأبنائه في المهجر، وغيرها من الحالات التي تتوقّف عند أزمة الهوية لدى اللبنانيين واغترابهم المتواصل في وطنهم والصراع الدائم لديهم.

في عودتها الدائمة إلى المكان الأول؛ الطفولة في القرية، والتفاصيل الصغيرة التي شيّدت وعيها البسيط والمتماسك معاً، وتأملها في أثر الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الناس، نسجت إميلي شخصياتها ومعمار هؤلاء النفسي وكيفية تعاملهم مع الألم والحنين والفقد وغيرها من المشاعر الإنسانية، والتقلبات والاضطرايات النفسية التي تواصل حفرها في دواخلهم.

تركت نصر الله العديد من الروايات، منها "شجرة الدفلى" (1968)، و"الرهينة" (1974)، و"الجمر الغافي" (1995)، و"ما حدث في جزر تامايا" (2005)، ومجاميع قصصية، مثل "جزيرة الوهم" (1973)، و"الينبوع" (1978)، و"المرأة في 17 قصة" (1983)، و"خبزنا اليومي" (1990)، و"روت لي الأيام" (1997)، وغيرها.

المساهمون