تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الأول من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الكاتب والروائي المصري إحسان عبد القدوس (1919 - 1990).
لم تلتفت السينما المصرية إلى نصوصاً أدبية لكاتب بقدر ما اقتبس صنّاعها من أعمال نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس الذي تحلّ اليوم الجمعة ذكرى ميلاده، حيث لا تزال شخصياته النسائية حاضرةً في الذاكرة العربية باعتبارها نماذج للتمرّد على السائد وما عفى عليه الزمن من عادات وتقاليد.
ورغم أن هذه الصورة لا تبدو دقيقة تماماً، إلا أن الكاتب والروائي المصري (1919 – 1990) استطاع أن يكرّس بطلاته بأسلوب مغاير لا ينسى، ومنهن فاتن حمامة بطلة فيلم "لا أنام" (1957) التي تنشأ طفلة لأبوين مطلّقين وتبدأ تدخّلاتها في حياة والديها بما يعكس عقدة إلكترا المعروفة، أو وردة في دور فاتن بفيلم "آه يا ليل يا زمن" (1977) التي يفقد والدها الباشا ثروته بعد التأميم، فتضطر للسفر إلى المغرب للعمل مطربة في أحد الملاهي الليلية.
وتدخل نجوى إبراهيم التي تؤدي دور شهيرة في فيلم "الذهاب فوق شفاه تبتسم" (1974) في صراع بين عاطفتها حيث تعيش قصة حب مع عصام منذ طفولتها، وبين عقلها حين يظهر رجل أعمال يطلب يدها للزواج، أو سعاد حسني حين تلعب دور البطولة في فيلم "أين عقلي" (1974)، التي يحاول زوجها أن يوهمها بأنها مريضة وتبدأ بالتردد على طبيب نفسي.
ربط دوماً بين الأدب ودور الكاتب الرسالي في إصلاح المجتمع
لم يدافع عبد القدوس عن تحرّر مطلق لنسائه في أكثر من أربعين رواية وقصة تحوّلت إلى السينما، بل إنه كان ينادي بحرية مسؤولة وربما بقدر من المحافظة وتلمّس قبول المجتمع، فهو يعرض مشاكل المرأة بقدر كبير من الجرأة والمكاشفة لكنه يريد لها أن تحظى بالاحترام والتقدير في الزواج والعمل والحياة العامة من قِبل الرجل، وهو يصادق ذلك بقوله "ليس هناك شيء يسمى الحرية، وأكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التى يؤمن بها، وللغرض الذى يسعى إليه، إننا نطالب بالحرية لنضعها فى خدمة أغراضنا.. وقبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك: لأى غرض ستهبها؟!".
يردّ الباحثون في سيرة صاحب رواية "لن أعيش في جلباب أبي"، الذي حظي بكتب عديدة حولها، إلى التناقض الذي عاشه منذ طفولته حين نشأ لوالدين مطلّقين؛ والدته روزا اليوسف الممثلة والصحافية المتحرّرة التي عاشت حريتها الكاملة، ووالده الذي أودعه بيت جدّه فربّته عمّاته في وسط محافظ ومتديّن نسبياً، ويدين بشكل أو بآخر نموذج أمه.
سلك عبد القدوس طريقاً ثالثة عبّر عنها في نصوصه الأدبية ومقالاته الصحافية ومواقفه، وربط دوماً بين الأدب ودور الكاتب الرسالي في إصلاح المجتمع وحثّه على الفضيلة التي تضمّن من وجهة نظره مكانة لائقة للمرأة، وقد أقرّ أن بعض أعماله مأخوذة من حياته التي عاشها، فقدّر لوالدته دورها ولأهل أبيه قيمهم، لكنه اختار أن يكون ذاته متصالحاً مع أفكاره وآرائه، وهو الذي منح لزوجته تصريف أمور الأسرة وإدارتها، لكنه عارض أن تخرج من البيت ليلاً بمفردها إلى أي مكان.
بعيداً عن ذلك، سجّل صاحب رواية "الحياة فوق الضباب" ثباتاً في مواقفه السياسية منذ تفجيره على صفحات مجلة "روز اليوسف" فضيحة الأسلحة الفاسدة التي زوّد فيها الجيش المصري وكانت أحد اسباب هزيمته عام 1948 في فلسطين، ومروراً باعتقاله سنة 1954 على خلفية مقاله "الجمعية السرية التي تحكم مصر"، وليس انتهاءً بعزله عن منصبه رئيس تحرير لجريدة "أخبار اليوم" عام 1968 بسبب مشاركة ابنه محمد في المظاهرات الطلابية التي حمّلت النظام مسؤولية هزيمة حزيران/ يونيو.