ذكرى ميلاد: إبراهيم اليازجي.. اللغة أساس النهضة

02 مارس 2021
(إبراهيم اليازجي، 1847 - 1906)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الثاني من آذار/ مارس، ذكرى اللغوي والكاتب اللبناني إبراهيم اليازجي (1847 – 1906).


ألّف إبراهيم اليازجي الذي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الثلاثاء كتابه "لغة الجرائد"، في محاولة لتصحيح الأخطاء والهنات التي اعتورت الصحافة العربية في نهاية القرن التاسع عشر، معترضاً على ما يستخدمه الصحافيون من  ألفاظ قد شذَّت عن منقول اللغة، وكيف تنتشر هذه العبارات المشوهة بسرعة كبيرة حتى يستخدمها الكتّاب المحترفون.

في هذا الكتاب، صحّح اللغوي والكاتب اللبناني إبراهيم اليازجي (1847 – 1906) عشرات التراكيب الخاطئة من خلال العودة إلى معاجم اللغة لتبيان الغلط فيها، لكنها لا تزال تُستخدم إلى اليوم، ومن ذلك قول: تقدم إليه بكذا، يعنون رغب إليه فيه وسأله قضاءه، بينما معناه خلاف ذلك، أي أوعز إليه وأمره، تقول: تقدم الأمير إلى عامله أن يفعل كذا وكذا.

اكتسب صاحب كتاب "تاريخ بابل وآشور" معرفته المعمّقة باللغة من والده ناصيف اليازجي (1800 – 1871) الذي سعى مع رموز إحياء التراث خلال القرن التاسع عشر إلى إعادة الاعتبار للأدب والثقافة العربيين عبر محاكاة القديم والإضافة عليه، في لحظة استشعر فيها أهمية اللغة في تكريس هوية عربية تتهدّدها أخطار عدّة، وورث الابن عن أبيه تلك النظرة إلى مكانة العربية كنقطة ارتكاز في أي مشروع نهضوي.

كان يرى أن علّة العرب هي خمولهم عن طلب العلم ما سبّب فرقتهم وتسلّط الأمم الأخرى عليهم

وُلد إبراهيم اليازجي في بيروت وأتقن مبادئ اللغة في سنّ باكرة، وعُرفت عنه حدّة الذكاء وسعة المعرفة، كذلك نظم الشعر في بدايات شبابه، وكان يحتكم إليه الكتّاب في ما يختلفون عليه من أدب ولغة الذين كانوا يؤمون مجلسه على الدوام، لكنه قرّر الابتعاد عن الشعر والتفرّغ لنيل مزيد من المعارف.

الصحافة كانت بيته الأول، حيث عمل رئيس تحرير جريدة "النجاح"، وعمل مُدرساً للغة العربية في مدرسة البطريركية للروم الكاثوليك ببيروت، وأُسندت إليه مهمة ترجمة الكتاب المقدس، نظراً لقدرته اللغوية الدقيقة في انتقاء الترجمة الصحيحة المرادفة للغة السريانيَّة والعِبرية، فأمضى تسع سنوات عاكفاً عليه حتى أنهى الترجمة.

واشترك مع بشارة زلزل في إصدار مجلة "البيان" سنة 1897، ثم تركها وأسس مجلة "الضياء" عام 1898، التي اعتبرت من أهم المجلات المتخصصة في الأدب وعلوم اللغة، ولاقت نجاحاً ورَواجاً، حيث استمرت ثمانية أعوام، حتى أصابه المرض، فتوقفت عن الصدور.

كان اليازجي من أشد المدافعين عن استقلال العرب ووحدتهم في وجه استبداد الدولة العثمانية في تلك المرحلة، ويروى أنه في سنة 1883 علّقت على جدران البيوت في بيروت قصيدة دون توقيع صاحبها، وردت فيها هذه الأبيات: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب/ فقد طغى الخطب حتى غاصت الركب/ فيم التعلل بالآمال تخدعكم/ وأنتم بين راحات القنا سلب/ الله أكبر ما هذا المنام فقد/ شكاكم العهد واشتاقكم الترب/ فشمروا وانهضوا الأمر وابتدروا/ من دهركم فرضة ضنّت بها الحقب.

أثارت القصيدة كثيراً في قرائها، وقامت قيامة والي بيروت، حيث أرسل جنده يبحثون عن صاحبها، لكنهم لم يجدوه، وظلّ قلة من العارفين ينسبونها إلى اليازجي الذي كان يرى أن علّة العرب هي خمولهم عن طلب العلم والفكر، وأن جهلهم أساس فرقتهم وشقاقهم، والسبب في تسلّط الأمم الأخرى عليهم.

ترك العديد من المؤلّفات، منها "مَطالع السعد لمُطالع الجوهر الفرد" (1875)، و"دليل الهائم في صناعة الناظم والناثر" (1885)، و"عقود الدرر في شرح شواهد المختصر" (1888)، و"تحفة المودود في المقصور والممدود" (1897)، كذلك حقّق وقدّم ديوان المتنبي في كتابه "العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب" (1887)، وكذلك "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، إلى جانب تأليف المعاجم، ومنها "الفرائد الحسان من قلائد اللسان" الذي أسقط منه الألفاظ الوحشية المتروكة من اللغة، واضاف إليه ألفاظاً أخرى مأنوسة.

المساهمون