ديفيد غريبر: نظرة جديدة إلى مفهوم القيمة

17 نوفمبر 2022
ديفيد غريبر
+ الخط -

برحيل الأنثروبولوجي الأميركي ديفيد غريبر بشكل مفاجئ قبل عامين (1961 ــ 2020)، خسرت العلوم الإنسانية في العالَم واحداً من أبرز الأسماء التي سعت إلى تفكيك العديد من الظواهر المُعاصِرة بلغةٍ نقدية لا تُخفي رغبتها في إحداث تغيير اجتماعي ولفْت الأنظار إلى حالة البؤس التي تهيمن على المجتمعات المعاصِرة، والتي تقف وراءها أفكارٌ رأسمالية ونيوليبرالية أو استبدادية.

لكنّ رحيل غريبر المبكّر لم يحُل دون انتشار فكره الذي لقى استقبالاً واسعاً حتى قبل وفاته (تُرجم عملان له على الأقل إلى العربية)، حيث ما تزال أعماله تُنقل إلى العديد من اللغات وتُستقبل في فضاءات معرفية وثقافية مختلفة عن الفضاء الأنكلوساكسوني الذي كتب ضمنه، ومن آخر ذلك ترجمةُ أوّل كتبه، "العُملة المزيّفة لأحلامنا: نحو نظرية أنثروبولوجية للقيمة"، إلى الفرنسية حديثاً، حيث صدر لدى منشورات "لي ليان كي ليبير" في باريس.

في مواجهة الانغلاق الذي تعرفه التنظيرات حول نظرية القيمة، والتي تحصرها في بُعدها الاقتصادي تارةً، أو في فهْمها الثقافي، يدخل غريبر النقاش من باب أوسع، حيث يناقش القيمة ضمن مختلف معانيها الاجتماعية والثقافية واللغوية والاقتصادية والسياسية، مُحاولاً الإجابة عن سؤال أساسي: كيف يمكننا تعريف ما يبدو مُهمّاً وأساسياً في المجتمعات والثقافات الإنسانية؟

الصورة
ديفيد غريبر

للإجابة عن سؤاله، ينطلق المؤلّف من نقدٍ للنظريات "الجامدة" التي ترى إلى القيمة بوصفها تراكُماً لثراء اجتماعي، مادّي (كما لدى الاقتصاديين) أو رمزي (كما هو الحال عند بيير بورديو)، وهو ثراءٌ غالباً ما يرتبط بالأشياء (المال، أو الشهادات العِلمية... إلخ).

في مقابل هذا الفهم الذي يربط القيمة بأشياء محكومة بأن تبقى جامدة، يقترح غريبر فهماً للقيمة بوصفها فعلاً، أو صيرورة؛ وهي بهذا المعنى تتحوّل إلى فكرةٍ أو معطى يغذّي المخيال الاجتماعي والسياسي، الفردي والجماعي، ويساعده على التغيير والتحرُّر.

وضمن هذه الرؤية، يقدّم المؤلّف القيمةَ باعتبارها تحوّلاً مستمرّاً، مفضّلاً في ذلك نظرة هيراقليطس (كل شيء يتحرّك ويتغيّر) على مقولة بارمينيدس (الأشياء ثابتة لأنها تُقيم خارج الزمن). وعلى هذا، فإنه يعرّف القيمة بوصفها "النحو الذي تتّخذ من خلاله الأفعال معناها لدى الفاعلين الاجتماعيين، وذلك عبر موضعتهم في كيان اجتماعي، حقيقياً كان أو متخيَّلاً".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون