"ضد القصيدة في أشكالها التقليدية، جاء شعرُ اللغة، ومن رحمِ تجريبية راديكالية، يسارية في الغالب، وطليعية ما بعد حداثية، وُلدت هذه النزعة الثّائرة على البنية الاجتماعية والسياسية الكامنة في القوة الإمبريالية للغة الإنكليزية"، بهذه المقدّمة التي حملت عنوان "الشعر في ’درجة الصفر‘ و’الجملة الجديدة‘" يفتتحُ المترجم والكاتب الأردني الفلسطيني تحسين الخطيب، العددَ الثاني الموافق لشهر أيار/مايو، من "دفاتر الشعر"؛ المجلة الإلكترونية المتخصِّصة بالشعر والفنون التي تجاوره، والتي يحرّر أوراقها ويصنع دفاترها الخطيب نفسه.
ويُتابع الخطيب في تقديمه للعدد الثاني من المجلة، حيث تناول فيه موضوع شعراء اللغة؛ هذا التيار الذي انتشر في الولايات المتحدة أواخر ستينيات القرن العشرين، متأثرين بالفيلسوف الألماني لودفيغ فيتغنشتاين (1889- 1951)، قائلاً: "لكي تكون الطرائق الجديدة والتنويعات المُبتكرة فعّالة، سعى شعراء اللّغة إلى إشراك القارئ في النص، مؤكدين أهمية هذه المشاركة في بناء المعنى. فمن خلال كسر اللغة الشعرية أو تدمير الطبيعة الوظيفية العفوية للغة، فلا يبقى منها سوى أُسّها المعجمي، يطلبُ الشاعر من القارئ أن يجد طريقته الجديدة في مقاربة النص".
وكنموذج عن شعراء اللغة، نقرأ بين أوراق المجلة، وبترجمة تحسين، نصوصاً نثرية للروائية والشاعرة الأميركية غيرترود ستاين (1874- 1946)؛ حيث تقول في قصيدتها "الثرى لا النحاس": "الثّرى يجعلُ اللّون أعتم لا النّحاس. يجعل الشّكل أثقل جداً واللحن أشد".
وعلى غرار دفترها الأول، تنوّعت محتويات الدفتر الثاني من المجلة بين نصوص شعريّة ونثريّة. وتصدّرت غلاف العدد صورة للشاعرة والكاتبة الأميركية مايا آنجيلو (1928- 2014)، حيث قام الخطيب بترجمة مجموعة من قصائدها تحت عنوان "أناشيد الطائر الحَبِيس".
وإضافة إلى ذلك، احتَوى العدد على مواد متنوّعة لشعراء مختلفين من فرنسا، واليونان، والمكسيك وإيطاليا، وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وغيرها من الدول. كما وردت بين أوراق المجلّة قصائد جديدة للشاعر الفلسطيني زكريا محمد.
طرائق وتنويعات مُبتكرة في العلاقة بين القصيدة والترجمة
إضافة إلى ذلك، شاركَ في ترجمة قصائد هذا العدد، كلٌّ من الشاعر المغربي رشيد وحتي؛ الذي قدّم وترجمَ عن الفرنسية "مختارات من أشعار بيير ريفردي، والشاعر السوري أمارجي؛ الذي ترجم عن الإيطالية قصائد "اللامتناهي" للشاعرة جاكومو ليوباردي. كذلك احتوى العدد قصائد لكل من الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، والأميركيين آن سكستن ويوسف كومنياكا، والبريطانية لافينيا غرينلو، بترجمة الخطيب.
لا شك أن تنوعّ محتويات المجلة الشعري والجغرافي واللغويّ اقتضى صعوبةً في آلية الترجمة وعملياتها، لكن، وبالطريقة نفسها التي كسر فيها شعراء اللغة الطبيعة الوظيفية العفوية للغة، حاول الخطيب، ومن شاركوا معه في هذا العدد، كسر الحد الفاصل بين النص الأصلي والترجمة، بحيث سيشعر القارئ أنه ليس أمام نص أجنبي غريب دائماً، بل أمام نصوص كتبت بلغته هو.