"دراسة سحابة" لزينة عاصي.. لم نبتعد كثيراً عن مشهد الحرب

09 يوليو 2023
(من المعرض)
+ الخط -

بيروت الذاكرة أم بيروت المكان؟ هذا هو لسان حال معرض التشكيلية اللبنانية زينة عاصي، المُقام هذه الأيام في "غاليري تانيت"، ويحمل عنوان "دراسة سحابة"، والذي تستجمع فيه لوحاتٍ وأعمالاً تجهيزية مُتعدّدة الخامات، سبق لها أن اشتغلتها بين عامَي 2015 و2023، حيث لا يلبث هذا التعدُّد أن يتدرّج من إطار الخامة، فيَصل إلى مستوىً آخر خاص بالمتلقّي.

لا ينفصلُ المعرض عن الثيمات الكُبرى لمشهد التشكيل اللبناني؛ لذا سرعان ما نتلمَّس أثرَ الحرب في خلفية بعض الأعمال، وهي - أي الحرب - لا تقول كلمتها على حساب الناس، كما في الواقع، إنما تتركُ الكثير من الفراغات ليملأها الفنّ. وهذا ما استثمرت فيه عاصي، حيث تستعيد مشاهد لعائلة مُجتمعة على طاولة طعام، وتتدلّى من فوق رؤوس أفرادها البطاقات المُحمَّلة بِصُور عن ماضٍ لا يمضي.

الصورة
من معرض دراسة سحابة - القسم الثقافي
(من المعرض)

في اللوحات تشغل المدينة بِرمَاديّتها قِسْماً وافراً، ونحسب أنّ تلك "السحابة المدروسة"، ليست سوى كثافة الرماديّ، وهو يُعبِّئ المَشَاهِد من حوله. أمّا ما تترُكه هذه السحابة من مساحات لونية أُخرى، فلا يبتعد كثيراً عن هذا الجوهر، فألوانٌ كالأحمر والأسود والأزرق الغامق، تكاد تكون من تدرُّجات الرَّمادي. وهي إذ تُحيل، في بادئ الأمر، إلى أبنيةٍ وعماراتٍ وأُناس، إلّا أنّها، أخيراً، تُساير أو تنشَدُّ بقوَّة إلى مركز تلك الغمامة.

بالعودة إلى مفهوم الماضي، فإنّ التشكيلية لا تقرأه ببُعده الرومانسي، فالذكريات والأحلام تتحرّك في أُفقٍ شبَحي، لا يخلو من القسوة والرُّعب، ومن هنا يمكنُ النظر أيضاً في أعمالٍ تتركّز فيها أشكالُ ذُبابٍ مقلوب وجماجم، تُحيطُ بها هالاتٌ من الأسود الحالك. 

الصورة
من معرض "دراسة سحابة" - القسم الثقافي
"طوطم" (من المعرض)

في المقابل تحمل بعض التجهيزات حسَّاً ساخراً واضحاً، خاصة تلك التي تمثّل التراتبية المجتمعية أو تُشير إليها. كائناتٌ تتركّب فوق بعضها البعض، تحمل رؤوس حيوانات بأجساد مختلفة، وهكذا حتى ننتهي برأس هذا الهرم، حيث يتربّع إنسانٌ أنيق، بيد أنّه يحمل رأس حمار، وكأنه يقود كلّ من هم تحته، ولكنْ إلى أيّ مصير؟ 

للجرّات نصيبٌ وافر أيضاً في هذه "السحابة"، فمع توقُّف الورق والخامات الأُخرى عن استيعاب الرُّسوم، تُصبح الجرّات بتكوُّرها، وجُدُرها الملساء، أداةً لنقل الإشارات. وصحيح أنها لا تبتعد كثيراً في موضوعاتها عن الحرب والمدينة الرمادية والطائرات والجماجم، لكنها أيضاً، في بيضاويّتها وتقشُّرها، تُذكِّر بالمستقبل، وإنْ كان هذا الأخير ليس أكثر من نسخة مُعادَة عن الماضي. 

المساهمون