أصدر المستعرب الإسباني دانيال خِيلْ بني أميّة كتابه "مدريد الإسلامية.. الأصول الخفية لعاصمة مسيحية" عام 2015، وفيه عاد إلى تأسيس العاصمة الإسبانية في منتصف القرن التاسع الميلادي، وكانت في الأصل مدينة صغيرة في حدود العالم الإسلامي الذي امتدّ من وادي دويرو في الأندلس إلى الصحراء الكبرى في أفريقيا ومن المحيط الأطلسي إلى نهر السند.
كما بيّن أن المدينة لم تختلف تركيبتها السكانية مع الغزو القشتالي في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، حيث ظلّ المسلمون فيها يسكنون مع جيرانهم المسيحيين، كما حافظت على مخططها الحضري على مدار قرون بما يحاكي بقية المدن الأندلسية، واحتفظت زمناً باسمها العربي "ألمودينا".
بترجمة خالد سالم، تصدر قريباً عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة النسخة العربية من الكتاب الذي يضيء على الجدل الذي دار بين المتخصصين في اللغة والتاريخ على مدار قرون ماضية حول نشأة المدينة، إلى أن حسمته كتب تاريخ الأندلس العربية.
حافظت مدريد على مخططها الحضري على مدار قرون بما يحاكي بقية المدن الأندلسية
ويوضّح الكتاب أن الأمر استقرّ على أن مفردة "مجريط" (أو مدريد) مكوّنة من كلمتين، هما مجرى واللاحقة اللاتينية "ايت" التي تعني الكثرة؛ أي كثرة المجاري المائية الجوفية التي بُنيت عليها المدينة على يد الأمير محمد الأول (823 - 868 م) لتكون ثغراً بين طليطلة وبين عاصمة الخلافة الأموية؛ قرطبة.
المدينة التي أُنشئت حول القلعة في المئتين وخمسين سنة الأولى من تاريخها، بحسب المؤلّف الذي تنحدر أصوله من غرناطة الأندلسية، كانت تحت سطيرة بني سالم من أمازيغ المغرب العربي، وسرعان ما حملت اسمهم وأصبحت تُدعى "مدينة سالم"، وهو الاسم الذي عُرفت به عند الإسبان.
ويذكر بني أمية أنّ هناك العديد من المصادر العربية التي تذكر تطوّر مدريد الإسلامية، على غرار كتابات الإدريسي، الذي يذكر ذلك في وقت لم تعد المدينة تابعة للأندلس؛ أي بعد خضوعها لمملكة قشتالة حوالي عام 1085، ولكن بقي المسلمون فيها إلى عام 1502، حين أُجبروا على اعتناق المسيحية، لتتحول المدينة إلى عاصمة لإسبانيا عام 1561، وتكون العاصمة الأوروبية الوحيدة ذات الجذور العربية الإسلامية.
ويشير الكتاب إلى أنّ جزءاً من جدار في مدريد عمره ألف عام بناه المسلمون، كما توجد مقبرة إسلامية ضخمة فيها، لكن لا يتم الإعلان عنها، وقليل من الناس يعرفون بوجودها، على الرغم من أنها أقدم مقبرة في المدينة، كما يرى بعض الباحثين أنّ القديس الراعي إيزيدور في مدريد، وهو شخصية أسطورية يعود أصلها إلى زمن الفتح المسيحي، وهي في الواقع شخصية توفيقية تم تخليقها من شخصية الصوفي يونس الأزدي.