خالد عزب.. عن فلسفة العمارة في الحضارة الإسلامية

29 ديسمبر 2021
مسجد السلطان حسن في القاهرة (Getty)
+ الخط -

في كتابه "العمران: فلسفة الحياة في الحضارة الإسلامية"، الصادر حديثاً عن "الدار المصرية اللبنانية"، يُقدّم الباحث المصري خالد عزب تعريفاً للعمران بأنّه "علم الحياة الدنيا في الحضارة الإسلامية"، نافياً وجود خصومة بين التقدُّم العلمي والإسلام، ومعتبراً أنَّ الإسلام كان محفّزاً، عبر قواعد العمران، على الابتكار والإنتاج العِلمي.

يستعرض المؤلّف كيف تناول التراثُ العربي والإسلامي العمران؛ بدايةً بابن خلدون الذي يذهب إلى أنّه كتب عن جانب من "عِلم العمران" في مقدّمته، ولم يكتب هذا العلم مفرداً، ولم يُعرّف به بشكل مستفيض، مشيراً إلى اختلاف الباحثين حول طبيعة "المقدّمة" بين مَن يرى أنها تُصنَّف في فلسفلة التاريخ، وبين مَن يرى أنها تمثّل تأسيساً لعلم الاجتماع، أو بذوراً للاقتصاد السياسي أو علم الأديان وغيره.

يعتبر المؤلّف أن ابن خلدون هو "مؤسّس الدراسات البينية الإنسانية، وبالتالي، كلّ ما سبق داخل المقدّمة بما فيها تعرُّضه لعلم العمران من منظور محدود هو الاجتماع الإنساني"، مضيفاً أنّ عبقريته تكمن في إدراكه، مع نضج العلوم في عصره، أنّ هناك شيئاً ما يجمع هذه العلوم، أنّها حين تلتقي تُقدّم نتائج جديدة وتقود إلى تقدُّم علمي.

العمران - القسم الثقافي

أمّا بالنسبة إلى الجاحظ، فيعتبر المؤلّف أنّه أدرك أنّ الإنسان الفرد لن يقوم بعمران الأرض، بل لا بد له من الاجتماع، وهو ما يُشير إليه بقوله: "ثم اعلم، رحمك الله تعالى، أنّ حاجة بعض الناس إلى بعض، صفة لازمة في طبائعهم، وخلقةٌ قائمة في جواهرهم، وثابتة لا تزايلهم، ومحيطة بجماعتهم، ومشتملة على أدناهم وأقصاهم".

ويعتبر عزب أنّ أكثر تجلّيات الفكر العمراني هو وضوح تراتبية العمران طبقاً للاحتياجات التي تؤدّي إلى نسق عمراني واضح، وهو ما ذهب إليه القزويني في كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد"؛ إذ يقول: "اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان على وجه لا يمكن أن يعيش وحده كسائر الحيوانات، بل يضطرّ إلى الاجتماع بغيره حتى تحصل الهيئة الاجتماعية التي يتوقّف عليها المطعم والملبس، فإنهما موقوفان على مقدّمات كثيرة لا يمكن لكلّ واحد القيام بجميعها وحده، فإن الشخص الواحد كيف يتولّى الحراثة فإنها موقوفة على آلاتها، وآلاتها تحتاج إلى النجّار، والنجّار يحتاج إلى الحدّاد، وكيف يقوم بأمر الملبوس، وهو موقوف على الحراثة والحلج والندف والغزل والنسخ، وتهيئة آلاتها، فاقتضت الحكمة الإلهية الهيئة الاجتماعية، وألهم كلّ واحد منهم القيام بأمر من تلك المقدّمات، حتى ينتفع بعضهم ببعض".

يتوزّع الكتاب بين خمسة فصول؛ يعرّف أوّلُها العمران في الحضارة الإسلامية كعلم تبلور منذ القرن الثاني الهجري، متتبّعاً تطوُّر دلالة لفظة العمران في المعاجم اللغوية، ويتناول الثاني الفلسفة الناتجة عن اعتبار "العدل أساس العمران"؛ وهي فلسفة يقول إنّها ترتكز على الإتقان والإبداع والجمال.

ويفصّل الكاتب في الفصل الثالث أدوات العمران في الحضارة الإسلامية، والتي تتمثّل، وفقه، في العلم والعمل، ويتناول في الفصل الرابع أُطر العمران، أي وسائل عمله في المجتمعات أو القواعد التي تُنظّم مجالات وفضاء العمران، وهي السياسة الشرعية وفقه العمران. أمّا الفصل الخامس والأخير، فيُخصّصه لتطبيقات العمران كعلمٍ في التجارة والصناعة والزراعة وغيرها من المجالات.

خالد عزب - القسم الثقافي
خالد عزب

يُذكر أن خالد عزب من مواليد 1966، حصل على إجازةٍ في الآثار عام 1988، ثم على الماجستير في الآثار الإسلامية عام 1995 برسالة حول "دور الفقه الإسلامي في العمارة المدنية في مدينتَي القاهرة ورشيد في العصرين المملوكي والعثماني"، ثم نال درجة الدكتوراه عام 2002 عن أطروحة بعنوان "التحولات السياسية وأثرها في العمارة بمدينة القاهرة منذ العصر الأيوبي حتى عصر الخديوي إسماعيل".

من مؤلفاته الأُخرى: "روائع الخطّ العربي بجامع البوصيري" (2005)، و"الحجر والصولجان: السياسة والعمارة الإسلامية" (2007)، و"الفسطاط: النشأة، الازدهار والانحسار" (2008)، و"العمارة الإسلامية من الصين إلى الأندلس" (2010)، وفقه العمران: الدولة والمجتمع والعمارة في حضارة المسلمين" (2012).

المساهمون