في عام 2016، أعاد القرّاءُ اكتشاف نصوص للشاعر الجزائري حيمود براهيمي المعروف باسم "مومو" (1918 - 1997)؛ حين صدرَت مختاراتٌ منها (باللغة الفرنسية) عن "دار الإبريز" بعنوان "الكلمات، الفعل والقول"، جمعها وقدّم لها الصحافيُّ الفرنسي جان رينيه هولو الذي تعرّف إلى صاحبها في حيّ القصبة العتيق بمدينة الجزائر عام 1986، واستمرّت صداقتُهما حتّى رحيله.
عهد براهيمي بكثير من كتاباته إلى صديقه الفرنسي الذي سيصفُ ما اختاره منها للنشر بأنّها "نصوصٌ قليلة، لكنّها تتميّز بكثافة فكرية وروحية استثنائية". وليس هذا أوّل عمل لرينيه هولو عن براهيمي؛ فقد نشر في 2012 كتاباً بعنوان "مجنون القصبة"، وليست هذه المرّة الأُولى التي تصدر فيها قصائد الشاعر الراحل في كتاب؛ فقبل ذلك بعشر سنوات، أصدرَت "دار ألفا" مجموعةً من قصائده في مجموعة حملت عنوان "مومو: سحر الكلمات" (2006).
في الكتابَين، لا يغيب حيُّ القصبة؛ مسقطُ رأسه الذي عاش مدافعاً عنه (كان من مؤسّسي "جمعية أصدقاء القصبة" التي ستتحوّل لاحقاً إلى "مؤسّسة القصبة)، متألّماً وهو يراه يتداعى، ثمّ صار واحداً من رموزه الثقافية البارزة... كما لا تغيب "البهجة"؛ وهو أحدُ الأسماء الشعبية لمدينة الجزائر التي خاطبها في قصيدة يتذكَّر كثيرون كلماتٍ منها بصوته في فيلم محمّد زينات "تحيا يا ديدو" (1971): "يا بهجتي قوليلي علاش صحابي سبقوني راحوا سكنوا لقبور/ وأنا باقي وحدي نشبر في زْنَق المدينة ونْدُور؟"، ثمّ، في نهاية الشريط، بصوت طفل صغير جالس في ميناء الجزائر، ممتزجٍ بأصوات البواخر والنوارس: "يا بهجتي قوليلي... ما بكم؟ انتهى الفيلم".
كان صاحب "الهوية العليا" وهو نصٌّ عن الفلسفة واللاهوت أصدره عام 1958، ممثّلاً أيضاً؛ فإلى جانب فيلم زينات (1932 - 1995) الذي أهداه قصيدةً بعنوان "لِيك يا زينات" عام 1970، شارك "مومو" في أفلام أُخرى من أبرزها: "الطاكسي المخفي" (1989) لبن عمر بختي، و"جبل باية" (1997) لعز الدين مدّور، كما مثّل في المسرح مترجماً نصوصاً فيه. وإضافةً إلى ذلك، كان لاعب كرة قدم وسبّاحاً (فاز ببطولة العالم في الغطس بباريس عام 1947). أمّا الجانب الآخر، كما يُخبرنا الباحث عمّار بلخوجة، في كتابه السّيَري "مومو: الشاعر المبارك" (دار الإبريز، 2012)، والذي تضمّن قصائد نشرتها صحيفة "المجاهد" في السبعينيات، فيتمثّل في مُعارضته للسُّلطة التي كان يوجّه لها نقداً لاذعاً، فقابلته بالنبذ وفرضَت عليه حصاراً إعلامياً.
كان ذلك في حياته. أمّا بعد رحيله - وكما يحدث عادةً - فسيحضر اسمُ حيمود براهيمي في تكريمات رسمية عدّة؛ أخرُها ذلك الذي نظّمه "المتحف الوطني البحري" في الجزائر العاصمة الأربعاء الماضي، ضمن فعاليات "شهر التراث" (18 نيسان/ أبريل - 18 أيار/ مايو)، ضمّ معرضاً لمؤلّفاته، وصوراً فوتوغرافية له، وملصقات لأفلام شارك فيها، إلى جانب شهادات لباحثين وفنّانين وأفراد من عائلته تطرّقوا فيها إلى جوانب من سيرته الإنسانية والأدبية والفنّية.
كان "يتمتّع بثقافة فلسفية وصوفية واسعة"، تقول مديرة المتحف، آمال مقراني، في كلمتها خلال اللقاء التكريمي، بينما يصفه عمار بلخوجة بـ"المثقّف الموسوعي متعدّد الاهتمامات الفكرية والصوفية والروحية والشعرية، والمنفتح على الثقافات الإنسانية"، في حين يُشير الباحث في التراث، عبد القادر بن دعماش، إلى أنّ "مومو" قدّم في أعماله بصمته الخاصّة ورؤيته الصوفية التي تعكس التزامه في الحياة والفنّ"، مبدياً أسفه لأنّ الأجيال الجديدة في الجزائر لا تعرفه.