حيدر التميمي.. جدلٌ بين الاستشراق وعلم الكلام

23 ديسمبر 2021
فاروق لمبز/ الأردن
+ الخط -

في كتابه "المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة" الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يقارب الباحث العراقي حيدر قاسم مطر التميمي العلاقة بين الاستشراق وعلم تحقيق النصوص، وكيف ساهم المستشرقون في تحقيق التراث العربي الخاص بعلم الكلام ونشره؛ إذ لا يتأتَّى اشتغال المستشرقين بدراسة هذا التراث وتحقيقه إلّا بسبب إدراكهم أهميته وأثره الكبير، واعترافهم بما قدّمه العرب المسلمون للحضارة الإنسانية.

يحاول المؤلف في المقدمات المنهجية للكتاب تقديم تمهيد هو أشبه ما يكون بتعريف أربعٍ من دعائم التراث العربي الخاص بعِلم الكلام ومفاهيمه. ويعرض أبرز النِتاجات العلمية التي تناولت علم الكلام الإسلامي بالبحث والدراسة، إضافة إلى جهود المستشرقين ومناهجهم في فهرسة المخطوطات. كما يضمِّن كتابه دراسة وصفية يحصي فيها تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علم الكلام الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما ترجمه بعضهم من هذه المؤلَّفات إلى اللغات الأوروبية.

حصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات

عمد الكاتب في البدء إلى استعراض أهم ما تقدّم بشأن مصطلح الاستشراق ومفهومه من دراسات وآراء توضح ماهيته ومدلولاته وأبرز مجالاته التي خاض فيها، وما كان له من أثر بارز في تحديد معالمها؛ حاول الباحث توضيح هذا المفهوم الخاص بالاستشراق، بالتركيز على استخلاصه من جهة صانعه وليس من جهة منتقديه ومعارضيه، كونهم الأَولى بأن يقدّموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما أنتجوه من دراسات علمية – أكاديمية وجّهت في صورة رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولة جادة منهم لكشف النقاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليه من كثب. وخاض الفصل الأول من الكتاب في تعريف المخطوطات وعلمها، مع بيان مفهوم هذين المصطلحين ودلالتهما.

وقدَّم الباحث، تحت عنوان "الطباعة العربية في أوروبا... النشأة والتطور"، سردًا موجزًا وشاملًا، قدر الإمكان، لتاريخ الطباعة باللغة العربية في القارة العجوز، راعى فيه التسلسل الزمني، مع إشارة إلى المحطات الكبرى في تاريخ هذه الطباعة. وبحث في طبيعة العلاقة التي ربطت الاستشراق بنفائس المخطوطات لتودع في نهاية المطاف في مكتبات أوروبا، العامة منها والخاصة، متتبّعًا خطوات الرحالة الأوائل في بحثهم الدؤوب عن هذه الكنوز المدفونة قرونًا طوالًا في غياهب الأقبية والمكتبات العتيقة.

غلاف الكتاب

وحصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي كما يلي: البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها، وفهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها وراقيًّا (وعائيًّا أو بيبليوغرافيًّا)، وربما كشفها وتلخيصها، وتحقيق كتب التراث العربي – الإسلامي، والدراسات والبحوث حول التراث، مع العناية بالمعاجم، وترجمة التراث العربي - الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة، وعلم الكلام الإسلامي في الدراسات الاستشراقية.

وناقش الكتاب دور المستشرقين في حفظ التراث العربي - الإسلامي من المخطوطات الأصلية والنادرة، سواء في مكتباتهم الخاصة أو في المكتبات العامة، وفهرستها فهرسةً علمية مبنية على أصول وقواعد منهجية رصينة، ساهمت في تذليل العقبات أمام سبل الوصول إلى هذه الكنوز المعرفية والاستفادة منها. أكسب هذا الدور الحركة الاستشراقية بصورة عامة معظم رصيدها من الإشادة والإيجابية.

وقدَّم الباحث قائمة بما طبعه المستشرقون من مؤلفات تخص المذاهب والفِرَق الإسلامية الخاصة، وكلها مؤلفات أصلية ومباشرة تبين موقف كل فريق من العقيدة، فتوضح للمستشرقين خصوصًا، وللناس كافة، من دول الغرب عمومًا، المواقف العقائدية المختلفة، ليكوّنوا عنها فكرةً واضحة.

كما يضيء الكتاب دور المستشرقين في نقل الثقافة العربية إلى الغرب، ممثلةً في مصادر علم الكلام والعقيدة الإسلامية، من دون الوقوف على تحليل الجوانب السلبية، أو التطرق إلى نظرة المستشرقين إلى الشرق بطرفيها السلبي والإيجابي؛ فهو دراسة مسحية تلقي الضوء على المساحة التي أفردها المستشرقون للتخصص والمجال المعرفي المهم من الثقافة العربية - الإسلامية.

وبعد الخاتمة، وضع المؤلف ملحقًا فيه صور ولوحات لنماذج مما ورد ذكره في فصول الكتاب من مخطوطات ومؤلفات استشراقية.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون