- "لماذا تستمرّ في فعل هذا؟".
- "فعل ماذا؟".
- "مرّة نراك في أشدّ ساعات بؤسك، وساعات أُخرى نجدُك تعيش كأنّ الحياة فاتحة حضنها لك".
- "تريدني أن أعيش في مأساة طوال الوقت إذن؟".
- "لا، ليس هذا ما أُريد. أريد أن أعرف كيف تتماشى هكذا مع كلّ أفكارك السوداوية في رأسك؟".
- "ألا يمكن للعدميّ أن يعيش؟".
- "أليس حريّاً بالعَدميِّ أن يموت؟".
- "تقصد أن ينتحر؟".
- "نعم".
لي انتكاساتي التي لها جلالتها وأحبّ أن أعيشها كاملة
- "وبعد؟".
- "لا شيء، إنّ كلّ شيء من عدم، فما الفائدة من الوجود أساسًا؟".
- "لا فائدة قطعًا. ولكنّ عدمًا نعرفه خيرٌ من عدمٍ لا نعرفُه".
- "ولكنّك تؤمن أن لا شيء بعد الحياة".
- "كما لا شيء قبلها".
- "فلماذا لا تنتحر؟".
- "أخبرتك، إيماني بأن كلّ شيء عدم لا يعني بأنَّ عليّ أن أُنهي حياتي. العدم وجهٌ آخر للوجود. 'كاربي دييم'. عِشِ اللحظة".
- "ألا يعني هذا أن تكون سعيدًا طوال الوقت؟".
- "لستُ قدّيسًا ولا ملاكًا ولا إلهًا لأكون كذلك طوال الوقت. لي انتكاساتي التي لها جلالتها وأحبّ أن أعيشها كاملة دون أن أتظاهر ولو لجزء بسيط من الثانية. للبؤس جلالةٌ لن يفهمها من يصدّق الكثير من الأكاذيب والخرافات التي تمنعه من الوصول إلى أعماق نفسهِ. كلّ كذبة تؤمن بها وكلّ شِعار تنادي بهِ، يجعلك تعيش الخطّ الفاصل بينك وبين نفسك. فقط حين تكفر بكلّ شيء حولك، تكون قادرًا على أن تعرف نفسك".
- "ولكنْ مُجدّدًا، هذا لا يفسّر التقلّبات!".
- "يفسّر إذا أردت ذلك. كما قلتُ لك، لا أحبّ التظاهُر. إن كنتُ أشعر بالحزن والكآبة، فسأتوقّف مباشرة عن رؤية البشر، وقد أنعزل بنفسي لأَشهُرٍ دون أن أخرج أحيانًا. وإنْ كنت أشعر بالفرح، فلن أخبِّئ هذا لنفسي. قد يكون الأمر متناقضًا، إلا أني في كآبتي كهلٌ وفي فرحي طفل".
- "تبدو فعلًا كطفلٍ في الحياة. ألا يمكنك أن تعيش الكآبة على أشدّها؟ أن تكون كئيبًا طوال الوقت؟".
- "إذًا، فأنت تريدني أن أكون كئيبًا طوال الوقت؟".
- "أقصد، أنت تتظاهر بأنك تعرف في الفلسفة وغيرها، وأنت تعرف بأن أغلب فلاسفة العدم والوجود كانوا كئيبين!".
- "من يعِش البؤس والكآبة على أشدّهما، لن يكون قادرًا على الحبّ أو ممارستهِ حتى. أقصى ما وصلته البشرية من بؤس، لم يصل للمرحلة التي أشرت إليها أعلاه. فكامو كان متزوّجًا وله أطفال، وسارتر كان في علاقة، ونيتشه كان مجنونًا بسالومي رغم كلّ شيء، ومولانا وأبو العدم إميل سيوران كانت له رفيقة حياة".
- "أنت تتظاهر، صدّقني. أنت تعيش كذبة".
- "أنت ترى ما أفعله تظاهُرًا وكذبة. ولكنْ لندعُها كذبةً أحبّها وأعرفها. على الأقل تبقى أفضل من ملايين الكذبات التي تصدّق بها أنت وتعيشها ولا تريد أن تعرفها. هذه الكذبة تدفعني للبقاء حيًّا لليوم التالي. أخبرتك هي كذبة فعلًا، وستزول قريبًا، إلى أن تأتي الكذبة التالية".
* كاتب من فلسطين