حسين خمري... رحيل ناقد محاصَر بالنصوص

14 يناير 2021
(من جامعة قسنطينة)
+ الخط -

رغم أنه كان أكاديمياً وناقداً ومُترجماً ذائع الصيت في الجزائر، إلّا أنَّ المعلومات المتوفّرة عن سيرة حسين خمري (1955 - 2021)، الذي غادر عالمنا أمس الأربعاء متأثّراً بإصابته بفيروس كوفيد 19، شحيحةٌ للغاية. فحتّى بعضُ الدراسات الأكاديمية التي تناولت أعماله لا تذكُر عنه الشيء الكثير؛ باستثناء دراسته في جامعة السوربون الفرنسية التي تخرّج منها بدكتوراه في الأدب الحديث، مع سردٍ لبعض إصداراته.

ينطبقُ ذلك أيضاً على صوره الغائبة بشكل شبه تام عن الفضاء الافتراضي، باستثناء صُوَر قليلة نشرها عددٌ مِن أصدقائه على حساباتهم في مواقع التواصُل الاجتماعي مع بعض الكلمات التوديعية.

تكادُ مسألة غياب الصورة تكون مشترَكاً بين الكتّاب الجزائريّين، سواء كانوا مِن الأجيال القديمة أو الجديدة، حتّى أنَّ كثيرين نشروا قبل أيام قليلة، وهُم يكتبون عن رحيل الروائي والمُترجم الجزائري البارز مرزاق بقطاش، صورةً للمُخرج مرزاق علواش (يجمعهما شبهٌ في الاسم وفي الملامح أيضاً). لكنَّها في حالة خُمري تعكس ابتعاداً مقصوداً عن الأضواء وتفرُّغاً للكتابة والعمل الأكاديمي.

أحد تفسيرات هذه "العزلة" نقرأه في منشورٍ للأكاديمي الجزائري يوسف وغليسي، على حسابه في فيسبوك، تحدّث فيه عن الناقد والمترجم الراحل؛ إذ يذكُر أنَّ جلسة مناقشته أطروحة الدكتوراه حول موضوع "نظرية النص في النقد المعاصر"، والتي غاب عنها مشرفه، كانت أقرب إلى المعركة، وكثيراً ما "خرجت المعركة عن حدودها، حتى وجد رئيسُ اللجنة (واسيني الأعرج) نفسَه مُجبَراً على التدخُّل كلّ حين لتهدئة الأجواء وإعادة التذكير بقواعد اللعبة العلمية".

يُضيف وغليسي: "لعلّ ذلك اليوم الاستثنائي كان سبباً في انعزال المرحوم عن مشاهد (الفرجة) العلمية، والنأي بنفسه عن مظاهر الضجيج والتهريج والاعتداد بالذات، فكانت الكتابة ملاذه الأخير، وإنْ تأخَّر في نشر كتبه".

ويذكر وغليسي أنَّ خمري تخلّى عن مُحاولاته الشعرية والقصصية الأولى، ليتفرّغ للنقد الذي قاده إلى السوربون؛ حيث التقى بصاحبة "ثورة اللغة الشعرية"؛ البلغارية جوليا كريستيفا التي أشرفت على أطروحته للدكتوراه، ثمّ "عاد إلى بلاده في صورة عرّاب للفكر المنهجي الحداثي (البنيوي والسيميائي) الذي لم تكن جامعتُه الأم مهيأة لاستقباله، في ذلك العهد، فكان الصّدامُ شرّاً لا بد منه في حياة رجل مسالم ليس من طبيعة صِدامية في أصله".

الصورة
حسين خمري - القسم الثقافي
(حسين خمري)

ووصفت الأكاديمية آمنة بلعلى الناقد الراحل بالرجُل "المحاصَر بالنصوص"؛ مضيفةً في منشور على صفحتها في فيسبوك: "شغلت حسين خمري مسألة التمثُّل الواعي للمعارف واستيعاب سياقاتها الفكرية والثقافية بكثير من المقاومة التي مكّنته من معرفتها وتفكيكها وجعلها مطواعة مستسلمة له، لينتهي إلى صياغة خاصّة بإنتاج معرفته هو، ومحاولة بسطها للقارئ".

واعتبرت بلعلى أنّ كُتبه النقدية "تعكس نموذجاً نقدياً شغلته الفكرة فسعى إلى توضيحها وشغلته العلامات فعمد إلى استنطاقها وألهمته النصوص التي حاصرته، فعاش في منظومتها العلامية متصوّفاً فيهاً، متنقّلاً بين مقامات الدوال، مُمتطياً أحوال المدلولات، مقتفياً أنساقها المضمرة".

عمل حسين خمري أستاذاً في جامعة قسنطينة، شرق الجزائر، وترأس قسمها للترجمة، كما أشرف على عدّة مجلات في النقد والدراسات الأدبية والترجمة.

ومِن بين كتبه التي بدأ بنشرها مطلع التسعينيات: "بنية الخطاب الأدبي"، و"بنية الخطاب النقدي"، و"فضاء المُتخَّيل"، و"الظاهرة الشعرية العربية: الحضور والغياب"، و"سرديات النقد: في تحيل آليات الخطاب النقدي المعاصر"، و"نظرية النص"، ومِن ترجماته: "عن الترجمة" لبول ريكور.

المساهمون