حريةُ الفكر أم كاتم الصوت؟

24 يونيو 2022
عبد الكريم مجدل البيك/ سورية
+ الخط -

نشر سلامة موسى كتابه "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ" في عام 1927، أي بعد سنةٍ من الهجوم التكفيري الذي تعرَّض له طه حسين بسبب الطبعة الأُولى من كتابه المعروف "في الشعر الجاهلي". غير أنّه، أي موسى، لا يذكر الكتاب، ولا يُشير قطُّ إلى القضية التي كانت لا تزال ملتهبةً في الأوساط الثقافية.

ومن حيث الظاهر، يبدو الكتاب بريئاً من التدخُّل في المعركة التي نشبت، بينما يَظهر للمتأمّل أنّه كان في غمارها المتعلّقة بحرية الفكر. والغريب أنّنا قلّما نجد في الثقافة العربية كتباً تهتمّ وتنشغل بحرية الفكر، من بعد هذا الكتاب، كأنَّ مثل هذه الدعوة تُعادل، في المضمر، قضية خروج على الإجماع، أو على المقدَّس، أو على الرموز المشتركة. ومنذ عشرينيات القرن الماضي، تقلَّص الاهتمام بها، ولا تُقدّم المكتبةُ العربية كثيراً من العناوين المؤلَّفة، بينما تُسجّل حركة الترجمة صدور كتاب جون بيوري "حرية الفكر" بعد تأليف كتاب سلامة موسى. 

أمّا كتاب محمد العزب موسى "حرية الفكر"، الذي صدر في نهاية السبعينيات، فلا يُقدّم أكثر من استعادة تنويعية على كتاب سلامة موسى، في الأوقات التي شهدنا أمثلةً فاقعة على محاولات وأْد الفكر ومنع التقدُّم لمناقشة مئات القضايا العالقة في التاريخ العربي، أو في الواقع الحاضر، بسبب هجمات الأنظمة الحاكمة، والمتشدّدين والمتعصّبين دينياً، أو اجتماعياً، وأنصارهم من المثقَّفين، أو أنصاف المثقَّفين، المأجورين.

كان الفكرُ الحرُّ في مأزق خطِر طوال الوقت في تاريخنا العربي

قال سلامة موسى في كتابه هذا: "إنّ التفكير لا يكون حرّاً حتى نستطيع البوح والإفضاء به إلى غيرنا". والمتأمّل في العبارة سوف يكتشف أنّ معظم المشاكل التي اعترضت، ولا تزال تعترض، حرية الفكر في الثقافة العربية، تكمن في مفرداتها. فأولئك الذين يُفترض أنهم سيستقبلون الأفكار الجديدة، كانوا مسؤولين عن وأْد هذا الفكر طوال التاريخ. واللافت أنّ هؤلاء "الغير" يشكّلون طيفاً واسعاً غير متجانس، ولا اتّفاق بين أعضائه، ما بين سلطات سياسية قامعة، وسلطات دينية واجتماعية أو أفراد مستقلّين، أو تابعين لهذه الجهة أو تلك. ولهذا، فقد كان الفكرُ الحرُّ في مأزق خطِر طوال الوقت، في تاريخنا العربي، لأنّ أساس وجوده، وهو العلنية، غير متوفّر، من جهة، ولأنّ القوى، التي ترفض الأفكار الجديدة الحرّة المختلفة عن السائد والمقرَّر والموضوع في خدمة مصالحها، تمتلك السلطة القادرة على وضع القيود والمحظورات والمحرّمات كما تشاء.

ويمكن أن نحسب كلّاً من حرية الفكر، وحرية الردّ على الفكر الحر، كما يطالب بها أُولئك الذين يعترضون على ما يسمّونه "التجاوزات"، حقوقاً عامّة تنتمي إلى شرعة حقوق الإنسان، إذا ما أخذنا بعدالة، لو لم توضع حريةُ الردّ في مواجهة قتالية مع حرية الفكر. فالملاحظ هو أنّ الموتورين والمتشدّدين في الجانب المعني بحرية الردّ يستغلّون هذا الحق الإنساني بطريقة شرسة وعنيفة، لا تُعنى بالحوار، بل بحرّية حدّ السيف، أو حرّية المسدَّس كاتم الصوت، والتي تعني تنفيذاً حقيقيّاً لتصفيات جسدية تُطاوِل حياة أصحاب الفكر الحر.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون