حروب السينما

22 يناير 2021
من عمل لـ مارتن أسيغ
+ الخط -

الملاحَظ أنَّ أكثر سينما تتنبّأ بخراب العالم، أو تكتُب وترسم وتصوّر هذا الخراب، هي السينما الأميركية في البلد الأكثر تطوُّراً من ناحية التكنولوجيا. وبالنظر إلى ارتباط الخيال العلمي بالمستقبل كما يتصوّره المخرجون، فإنّ الصورة تبدو قاتمة، بل مرعبة في تصوُّر الدمار الذي سيحلّ بنا.

لا يرى ذلك الفرع الذي يُسمّى الخيال العلمي في السينما الأميركية في المستقبل غير تلك الكائنات المتوحّشة معدومة الضمير التي تستثمر الدمار الذي تتنبّأ أنه سيحلّ على الكرة الأرضية ذات يوم. وهُم أولئك الذين يستفيدون من الحروب الكبرى، أو من الأوبئة القاتلة لتحطيم المُثُل والمبادئ التي أُرسيت عليها الحضارة البشرية منذ أن بدأ الإنسان يبني أُسُسها. اللافت في هذه الأفلام كلّها أنّ الإخراج السينمائي يستخدم أقصى ما يمكن من الخيال المتحرّر من أيّ رقابة أو ضبط أو تحديد، كي يُقدّم لنا أكثر الطبائع البشرية وحشيةً وتخلُّفاً. وعلى الرغم من أن معظم هذه الأفلام تُوضع في خانة الحركة والتشويق، فإن الدافع إلى إنتاجها بهذه الكثرة والضخامة يتعدّى التشويق المجاني أو المتعة العابرة، ويضعنا أمام السؤال عن لماذا يزداد إنتاج مثل هذه الأفلام في زمن ما، أي زمننا، دون زمن آخر؟

الراجح أن العناصر التشكيلية التي قدّمتها السينما في العديد من الأفلام التي قدّمت صُوَراً قيامية في حقل التنبّؤات لمستقبل عالمنا، لم تُختلق من الخيال وحده، أو أنها لم تكن مجرّد منتَجات تهدف إلى الإثارة وتتطلّع إلى شبّاك التذاكر فقط، بل كانت تُعبّر عن ذعر الفنّ من الرعب الكامن أو المضمَر في الحاضر الذي نعيشه. وخاصة حين نلاحظ انفجار التطرّف والتنظيمات المتطرّفة في العالم أجمع، إضافةً إلى رسوخ نزعة الحرب والتسلُّح في كل مكان. والطريف في الأمر أنّ كثيراً من المقترحات التي قدّمتها السينما عن الأشكال والملابس والأزياء التي يمكن للأشرار والساديّين من البشر الذين يستولون على عالمنا، أو يُخطّطون للاستيلاء عليه، أن يرتدوها، يمكن مشاهدتها، واقعياً، في صور المشاركين في الاجتماعات والمظاهرات التي تنفّذها جماعات اليمين في الغرب.

عبر السينما، تبدو  الصورة قاتمة، بل مرعبة في تصوُّر الدمار الذي سيحلّ بنا.

هل ينقل الواقع أزياءه من الفن؟ أم أنّ الفن كان يُقدّم النبوءة عن احتمالات التحوّل نحو الوحشية في هذا الواقع؟ اللافت أيضاً أنّ جميع النماذج الغريبة غير المألوفة التي قدّمتها السينما عن أزياء الشخصيات التي تقطع الصلة بالجنس البشري، أو تتحرّك في اتجاه العزلة عن المجتمعات، تجسّدت فجأةً، في علاقة غريبة بين الفن والواقع، في أزياء المئات من الأشخاص الذين ظهروا أمام الكونغرس في واشنطن، ومنهم شخصية الرجل الذي أطلقت عليه الصحافة اسم "ذو القرنين". هل كان يقلّد الفن، أم أنّ الفن هو الذي استمدّ الخيال من واقعيته؟

أظن أنّ ارتداء أزياء لا تشبه الآخرين من جهة، ووضعها في إطار غريب ووحشي من قبل المجموعات المتطرّفة التي تهاجم العالَم اليوم: الدواعش هنا والنازيون واليمين المتطرّف في أوروبا وأميركا، تتضمّن بالضرورة التأكيد على روح الاختلاف التي تجيز لهم بعد ذلك تجريد الآخر من تشابهه معهم، أي من حقّه في الحياة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون