بعد انقضاء عقد كامل على بدء الثورة السورية، بات مشروعاً التساؤل اليوم عن بعض من نتائجها، وعن التغييرات التي أحدثتها، أو التي كان منتظراً لها أن تحدث. من بين هذه التغييرات، تعدّ مسألة حقوق المرأة وحرّيتها ومكانتها، في المجتمع وفي العمل السياسي وفي العمل، وحتى في الحياة المنزلية، من أبرز المسائل التي يمكن من خلالها قياس مدى التغييرات، إن لم نقل التحسينات، التي سمحت بها الثورة.
ندوة "الصحافيات السوريات بعد الثورة: التحديات والإنجاز"، التي عقدها افتراضياً، مساء أمس الثلاثاء، "مركز حرمون للدراسات المعاصرة"، حاولت تقديم إجابة عن هذا التساؤل، عبر حوار أدارته الكاتبة ديمة ونّوس مع ثلاث صحافيات سوريات هنّ لينا شوّاف، مديرة إذاعة "روزنة" في باريس، وغصون أبو الذهب، رئيسة تحرير موقع "سيريا برس"، ودينا أبو الحسن، نائبة رئيس "رابطة الصحافيين السوريين".
للوهلة الأولى، قد يبدو الجواب الذي جاءت الندوة لتقدّمه عن سؤالها حول التحديات والإنجاز جواباً جزئياً، باعتباره لا يشمل إلا المشتغلات في الفضاء الإعلامي. لكننا سرعان ما نكتشف، من خلال مداخلات المتحدّثات المشارِكات، أن ما تواجهه الإعلاميات السوريات لا يمثّل ما تعيشه بقية السوريات فحسب، بل قد يكون معاناة مضاعفة، كما تشير دينا أبو الحسن، التي تنبّه أن حالات القمع والتحرّش والتعنيف التي تتعرض لها النساء تزداد عندما يتعلّق الأمر بصحافيات يظهرن في الفضاء العام ويعبّرن عن آراء أو ينقلن أخباراً.
عن السؤال إذا ما كانت طبيعة عمل الصحافيات السوريات، ومسألة حصولهن على حقوقهن أو على شروط عمل مناسبة، قد تغيّر ما بين العمل في زمن النظام وشروطه، قبل الثورة، وما بين العمل بعد اندلاع الثورة، في المناطق المحررة أو في المهجر، اتفقت المشاركات على أن التغيّر الحاصل يشمل بشكل أساسي اتساع مساحة التعبير، وتجرّؤ نساء على الحديث بصوت عالٍ عن مطالبهن ومعاناتهن وحقوقهن الناقصة، لكنه لا يمثل اختلافاً كبيراً فيما يخص واقع عملهنّ الفعلي، وواقع النساء السوريات بشكل عام. إذ ما يزال هذا الواقع يشهد الإقلال من قدراتهنّ، وتغييب حقوقهن وحرياتهن، إضافة إلى انعدام العدالة في رواتب العمل أو في النظر إليهن وإلى منجزهنّ عندما يكنّ في موقع قيادي، أو حتى في نسبة مشاركتهنّ في المؤسسات الصحافية أو في العمل السياسي.
ما تواجهه الإعلاميات لا يمثّل ما تعيشه بقية السوريات فحسب، بل قد يكون معاناةً مضاعفة
لينا شوّاف أعادت استمرار الوضع هذا، رغم مضيّ عشر سنوات على انطلاق الثورة التي رفعت منذ اليوم الأول شعارات الحرية والمساواة، إلى غياب التغيّرات العميقة في بنية المجتمع، متحدّثةً عمّا أسمته "الرقابة المجتمعية"، والتي ما تزال حاضرةً في السلوك وفي العقول، فيما تُعدّ النساء من أكثر الذين يعانين منها. شوّاف أشارت إلى أنّ هذه الرقابة تتمثّل بفرض قيود وحدود أمام الإعلاميات، والسوريات بشكل عام، بحيث تُحاسَب المرأة بشكل مختلف وأكثر تشخيصاً مما يُحاسب الرجل، وذلك حتى في المؤسسات الإعلامية، كما أنها تتعرض لضغوط وانتقادات أكبر.
وحول الأمر نفسه، أشارت دينا أبو الحسن إلى أنها لا ترى أن الرقابة المجتمعية أمرٌ سيئ بالضرورة في وقتنا هذا، قائلةً "إننا كأشخاص مقموعين محتاجون للحديث"، ما قد يشرح تكاثر الآراء العشوائية وانفلات خطاب الكراهية. لكنّها نوّهت بأن هذا الأمر لا بد أن يكون مؤقتاً، وأن الأفق المنتظَر للسوريات والسوريين هو أفقٌ ثقافي تغيب فيه هذه الرقابة أو تتحول إلى عامل إيجابي، يلعب دوراً في دفع المجتمع والنساء إلى الإمام بدلاً من فرض السيطرة والتحكّم بالحريّات.
من جهتها، ذكّرت غصون أبو الذهب إلى الدور السلبي الذي تلعبه أحياناً وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها تحوّلت إلى "منبر مَن لا منبر له"، وباتت مساحة للنقد الهدّام الذي تتعرض فيه نساءٌ، إعلاميات أو غير إعلاميات، للتهجّم والانتقاص حتى عندما لا يرتكبن أخطاءً، أو ببساطةٍ عندما لا يروق شكلهنّ للبعض، بحسب تعبيرها. أبو الذهب أشارت في مكان آخر إلى الانتهاكات التي لم تتوقف بحق الصحافيات والناشطات الإعلاميات، وذلك حتى في المناطق المحررة، قائلةً إن "مشواراً طويلاً" ما يزال أمام الصحافيات السوريات، والسوريات بشكل عام، لتحصيل حقوقهن، في المجتمع وفي العمل.