يغلّب الناقد البريطاني جيمس وود (1965) في عدد من مؤلّفاته، ومراجعاته للكتب التي نشرها في الصحافة منذ الثمانينيات، جماليات النص الأدبي على السياقات الأيديولوجية والاجتماعية التي تحظى باهتمام النقد الأدبي الأكاديمي المعاصر، داعياً إلى ضرورة أن يتعامل القارئ مع النصوص بوصفه كاتباً.
صاغ وود مفهوم "الواقعية الهستيرية" في بداية القرن الحالي، والذي يقدّم من خلاله نقداً لاذعاً باعتباره محاولة لتحويل الخيال إلى نظرية اجتماعية، ضمن موجات روايات برزت مؤخراً وتتسم بضخامة حجم السرد والاستطرادات المتكرّرة حول مواضيع ثانوية للحكاية، واعتنائها بعرض الكثير من القصص المترابطة، بدلاً من الاهتمام بتطوير شخصيات العمل.
بترجمة الروائي والمترجم العراقي فلاح رحيم، صدرت حديثاً عن "دار المأمون" في بغداد النسخة العربية من كتاب وود "كيف تعمل القصص"، والذي يخاطب من خلاله النماذج التي يتناولها القارئ غير المتخصص والكاتب المتخصص والطالب الأكاديمي.
في هذا الكتاب الذي ظهرت طبعته الأولى بالإنكليزية عام 2008، ينشغل المؤلّف بعلاقة الأدب بالحياة، إن كانت محاكاة للحياة والواقع أو أنها خلق لواقع جديد، ويرى أن الخيال يشترك مع الواقع في بعد من أبعاده لكنه يمتلك حياة خاصة به، حيث يضيء عالم القصة والرواية من زاوية الحيوية التي يجب أن تتمتعا بها.
يوضّح وود بأن الراوي ينقل الحكاية من خلال صوت الشخصية، بحيث "نرى الأشياء من خلال عيون الشخصية ولغتها، ولكن أيضاً من خلال عيون المؤلف ولغته. نحن نعيش في عالم المعرفة والتحيز في آن واحد"، لافتاً إلى أن هذا هو جوهر صناعة الخيال، حيث يعلم القراء أنّ مؤلفاً قد اخترع هذه الشخصية، لكنهم يشعرون كما لو أن الشخصية موجودة في مكان ما خارج اختراع المؤلف.
وينزع المؤلّف إلى أن تقنيات السرد تشكّل العنصر الأهم في تطوّر الرواية عبر التاريخ، وأن فنيات السرد والتفاصيل هي تحديداً ما يجعل نصاً روائياً يتفوق على غيره، والتي يمكن من خلالها تشييد طبقات من الواقع تستطيع الوصول إلى القارئ وإقناعه، عوضاً عن اللهاث وراء حيوية زائفة في تصوير فوضى الواقع الراهن.
يتتبع جيمس وود مسارات السرد خلال أربعة قرون، بدءاً من ثربانتيس ومروراً بـ فلوبير وبلزاك ودانييل ديفو وستندال وتولستوي ودستويفسكي وموباسان وديكنز وكونراد وتشيخوف وبروست، وصولاً إلى خوسيه ساراماغو وفيليب روث وكازو أيشيغورو وإيانماك إيوان وأخرين.