إذا كانت الطبيعة الصامتة حاضرة في النقاشات الفنية الفرنسية هذه الأيام بفضل المعرض المخصّص لها والذي افتُتح أخيراً في "متحف اللوفر" بعنوان "الأشياء" (يستمر حتى مطلع العام المقبل)، فإن هذا هذا النوع من التصوير الفنّي لم يغب يوماً عن تاريخ الفن، الغربي منه على الأقل.
على أن التنظير حول الطبيعة الصامتة، أو انطلاقاً منها، يتجاوز إطار النقد والتأريخ الفنّيين، حيث ألهمت هذه الممارسة الفنية العديدَ من المفكّرين والشعراء والكتّاب الفرنسيين، من موريس ميرلو بونتي إلى إيف بونفوا، وهي قائمة انضمّ إليها حديثاً الكاتب والمحلّل النفسي جيرار واجكمان.
لدى منشورات "نحن" (Nous) في باريس، صدر حديثاً كتاب واجكمان "ليست طبيعة وليست ميّتة: حيوات الطبيعة الميتة"، وهو عملٌ ينطلق، كما يوضح العنوان، من إشكالية التسمية الفرنسية لهذه الممارسة الفنية التي يُطلق عليها في لغة موليير "الطبيعة الميتة"، وهي تسمية تقف على الطرف النقيض ممّا تعنيه اللوحات التي تنتمي إلى هذا الفن، بحسب واجكمان.
يذهب المؤلّف بموضوع كتابه إلى ما يتجاوز البُعد الجمالي، حيث ينظر إلى الثمار والأطباق والقوارير وغيرها من الأشياء التي تصوّرها اللوحات الفنية باعتبارها علاماتٍ تخبرنا شيئاً ما عن الجسد الإنساني الذي يشتهيها أو يرغبها أو ربما يكرهها. يكتب: "قلْ لي ما تحبّ أقلْ لك مَن أنت. هذا ما تُرينا إيّاه لوحاته الطبيعة الصامتة. مِن خلال الأغراض التي تضمّها اللوحات، تكشف الطبيعة الصامتة عن مواضيع لذّتنا، تلك الموجودة خارجنا، في العالم، والتي ترسمها بطريقة تجعل منها مواضيعَ مرغوبةً".
وينطبق هذا التجديد على الأفكار التي يقترحها واجكمان كتعريفات أو نظرات جديدة إلى الطبيعة الصامتة، حيث يقول أوّل الأمر إنها "الشيء + نظرة المرء على هذا الشيء"، قبل أن يعود ويقول إن "تاريخ الطبيعة الميتة هو تاريخٌ لكلّ ما يسقط"، وهو التقاطٌ ذكيّ لفنّ لطالما صوّر الرسّامون فيه أعداداً لا تنتهي من الثمار والمقتنيات والفوارغ والبقايا وحتى الجماجم، وهي جميعاً ترتبط بالسقوط أو التحلّل.