جوان ميشيل: التأويل كحاجةٍ إنسانية

24 مارس 2023
هوغيت كالان/ لبنان
+ الخط -

إذا كانت التأويلية (أو الهرمينوطيقا) قد تأسّست بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر، على يد المفكّر ورجل الدين الألماني فريديريش شلايرماخر، فإنها ستنتظر قرناً من الزمن لتُنزَع عنها صبغة التفسير الديني الذي ارتبطت فيه ببداياتها، ولتستقلّ كمنهج قائم بذاته لفهم النصوص، بل ولفهم العالَم بشكل عام.

عن "منشورات فرنسا الجامعية"، صدر حديثاً كتاب "ما التأويلية؟" للباحث الفرنسي جوان ميشيل، أستاذ الفلسفة في "جامعة بواتييه" وأحد أبرز المختصّين بهذا التيّار الفكري وبالمفكّرين المنتمين إليه.

يجمع كتاب ميشيل بين العرض لتاريخ التأويلية، وبين قراءات نقدية ومجدّدة فيها، حيث ينطلق من مسعى هذا المنهج إلى الإجابة على عدد من الأسئلة، مثل: ما معنى الفهم؟ وكيف يمكننا تأويلُ عمل فنّي؟ وهو يذهب، في مسعاه لتوسيع خارطة المبحث التأويلي، إلى مواضيع جديدة يطبّق عليها هذا المنهج، مثل علاقة الإنسان بالطبيعة، والتي يتساءل عن كيفية فهمنا لها والإصغاء لما يمكن أن تعنيه لنا، وعن كيفية العيش في تناغم معها في عالم يتغيّر، وتتغيّر معه مكانة الإنسان فيه.

غلاف

وللإجابة على هذه الأسئلة، يبدأ المؤلّف بتعريف المفاهيم والأفكار الأساسية التي جاء بها التأويليون، مثل مركزية الدلالة في هذا التيّار، بوصفها الباب الذي يمكن من خلاله الدخول إلى عوالم ما نريد تفسيره؛ كما يتوقّف عند مصطلحات الفهم، والتجربة، وعند العلاقة بالغريب، وعند دور التأويل في عقد الروابط الاجتماعية.

وفي قراءة تاريخية للمذهب، يذكّر صاحب كتاب "سوسيولوجيا الذات: مقالة تأويلية تطبيقية" (2012) بالبدايات مع شلايرماخر، قبل أن يركّز بشكل أساسي على ثلاثة من فلاسفة القرن العشرين الذين أعطوا للتأويلية مكانتها البارزة والمستقلّة التي نعرفها اليوم: مارتن هايدغر، وهانز غيورغ غادامير، وبول ريكور.

وإضافة إلى فتْحه النقاش التأويلي على موضوعات جديدة ــ مثل الطبيعة والعمل الفني ــ فإن المؤلّف يعقد صلات جديدة أيضاً بين هذه الرؤية الفلسفية، وبين عديدٍ من حقول البحث في العلوم الإنسانية والنقد الأدبي واللساني، مثل الأنثروبولوجيا، والبراغماتية، والسيميائية، وعلم الاجتماع، مدافعاً عن أطروحة أساسية يأتي بها كتابه، وهي أن فعل التأويل ليس أداةً لفهم النصوص والأعمال التي يُبدعها الإنسان فقط، بل حاجةٌ أنثروبولوجية ويومية للبشر كي يستطيعوا استيعاب عالمهم والعيش فيه.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون