- يسلط الضوء على تجربة الكاتبة الشخصية كعربية مقيمة في إسبانيا، وكيف تعيش الإبادة يوميًا في كل تفاصيل حياتها، مؤكدةً على الأثر العميق للصراع على إنسانيتها وأمومتها.
- يؤكد النص على دور المثقفين في مواجهة الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان، مشددًا على ضرورة استغلال كل الوسائل المتاحة للتعبير عن الرفض والانتماء للضحية والدفاع عن كرامتها وحقها في الحياة.
لا أعتقد أنّ أيّ إنسانٍ، مهما كانت جنسيته، يحملُ في داخله الروح الإنسانية الفطرية، قادرٌ على أن يتجاهل ما يفعله المشروع الصهيوني في فلسطين، وفي غزّة على وجه التحديد. ولا أعتقد أنَّ أيَّ عربي، بشكل خاص، أينما كان يعيش في بلاد الله الضيقة، قادرٌ على مواصلة حياته، بشكل طبيعي، أو ولنقل بشكلٍ ما، والشاشات، على تنوّعها، تنقل وبشكل مباشر، هذه المحرقة والإبادة الوحشية التي تثقب قلبَ كلّ من يراها. فلسطين هي جرح كلّ عربيٍّ لا يموت.
ومع هذا، فإنَّ العربي المُهجّر عن أرضه وحياته؛ لأنَّ الاستبداد بأشكاله كافّة قد حكم عليه بالرحيل، ربّما يكون أكثر من تصيبه هذه الفاجعة كسهمٍ بين العينين. فهو، هنا، يعيش موزّعاً ومُمزّق الهوية والروح، هشّاً في العمق، وهذا ما يجعل كسر قلبه أسهل، خاصّة أنّه يرى أنَّ البلاد التي استقبلته هارباً من الموت والطغيان والاستبداد، تعود وتسكت أو حتى تدعم في خطابها الرسمي قاتلَ الأطفال في غزّة. وهذا يشبه أن تتلقّى خنجراً في خاصرتك ممن وقف معك ضد الاستبداد والموت!
اليوم، ككاتبة عربية مقيمة في إسبانيا، أحسّ أنني أعيش هذه الإبادة في كلّ ثانية، في صحوي. في عملي. في الطريق إلى العمل. في البيت. وفي المظاهرات التي تخرج هنا ضد الإبادة. في نقاشي مع أولادي. وفي الحماس والقهر والخذلان الطالع من عيونهم. أعيشها في أمومتي المجروحة بكل صرخة طفل. وفي أنوثتي المعطوبة بكل نواح امرأة. أعيشها بإنسانيتي المدمّرة تحت كلّ ركام. وأعيشها في لغتي وفي قصيدتي التي لا أعرف كيف سأستطيع أن أحميها من الموت، مرة ثانية، بعد أن ماتت هناك، تحت الركام، في حلب وادلب وحمص. وها هو الموت الآن يتقمّص، مرّة ثانية، أعمارنا ومفرداتنا ووجوه أطفالنا، لأنَّ عالماً نذلاً أعمى وأطرش يغضّ الطرف عن كلّ هذا ويمضي. أنا واثقة أنه يمضي نحو الهاوية وبخطى واثقة.
مواجهة المجتمع الغربي بقيمه ذاتها المتمثّلة بالدفاع عن حقوق الإنسان
هنا يتجلى دور المثقف، ربما هو نفسه دور الإنسان الحقيقي في هذه الظروف، في أن يتبع إنسانيته ويعلن، بكلّ الطرق الممكنة، انضمامه للضحية، وانتماءه لعدالة الدفاع عنها. وبما أنَّ المثقف يمتلك وسائل خاصة، فهو اليوم قادرٌ أكثر من غيره على إعلان هذا الرفض، وعلى تعرية السردية المعادية، وعلى المحاجة الدائمة بحق المظلوم الذي يعيش ولا يعيش، تحت آخر احتلال حقيقي على سطح هذا الكوكب، حقّه في أن يرفض هذا الاحتلال. والأهم حقه في أن يعيش بكرامة.
المثقف هنا يجب أن يكون حاضراً في المظاهرات، وفي الندوات، والبيانات، وأن يستغل كل وسيلة جامعية أو إعلامية مُتاحة، ويؤكد حق الضحية في الحياة. وأن يواجه المجتمع الغربي بقيمه ذاتها المتمثّلة بالدفاع عن حقوق الإنسان، وعن حقوق الأطفال وحقوق المرأة بشكلٍ خاص، وأن يستفيد من هامش حرية الصحافة هنا الذي يضيق كل يوم أكثر من قبله، ومن تعدّد الجمعيات المدنية والأحزاب. فبصوته، وكلمته، وقلمه، وحتى بأسنانه، يجب أن ينتمي دائماً، كما يقول محمود درويش، لسؤال الضحية.
* شاعرة من سورية