بحثاً عن الهوية والانتماء، قرّر خمسة شبانٍ، لكلٍّ منهم قصّته الخاصّة، تركَ المكان الذي ينتمي إليه والهجرة. ستكون حياة كل واحدٍ منهم مختلفة عن الآخر، لكنهم سيتعرّفون على بعضهم، ويتفاعلون مع بعضهم، ليس كمجموعة فحسب، ولكن بشكلٍ فردي أيضاً.
هذا هو موضوع العرض الراقص "تيبالكاتس"، الذي قدّمته الاثنين الفائت فرقة "أكيسنتي للرقص المعاصر"، في "المركز الثقافي الجامعي"، بالعاصمة المكسيكية. يتناول العرض الذي أخرجه عازف البيانو الأميركي المخرج دواني كوتشران موضوع الهجرة البشرية، ويحلّله من وجهة نظرٍ تعبّر عن مسارات الحياة التي تُشبه المتاهة، والندوب التي تتركها رحلة العبور وتجاوز هذه المتاهة وصولاً إلى لا قرار.
بالنسبة لعنوان العرض "تيبالكاتس" فهو مأخوذٌ من لغة السكان الأصليين المكسيكيين، تحديداً من لغة الناواتل؛ وهي كلمة تشير إلى شظايا الأواني الطينية المكسورة، التي كانت موجودة قبل وصول الإسبان إلى العالم الجديد، في استعارة واضحة للكسور والندوب التي تتركها الهجرة في الجسد الآدمي، وعادةً ما تكون غير مرئية.
"إنها استعارة تعبّر عن الإنسان المُمزّق. بدأت فكرة العمل بطريقة مُضحكة للغاية. كنتُ أتحدّث مع صديق عالِم أنثروبولوجيا، وأخبرني أنّه في صدد الإعداد لمؤتمر دولي يتناول فيه موضوع "التيبالكاتس - الشظايا". أعجبتني الفكرة كثيراً، وسرعان ما ربطتها بندوب الحياة وشظاياها، بتلك القطع المكسورة التي نتركها وراءنا عندما نغادر الأماكن التي ننتمي إليها ونذهب إلى أمكنة أخرى"، يوضّح مخرج العمل.
تلميحات راقصة تعبّر عن تناقضات الجسد والذات الإنسانية
تألّف العرض (مدته 70 دقيقة) من سبع رقصات، أدّاها خمسة راقصون، وحملت العناوين التالية: "عقدة الطيور"، و"الجامحون"، و"أشباح ضائعة"، و"ملاك الأطفال"، و"نبضات في الداخل"، و"مغناطيس"، و"قداس مع وقف التنفيذ". وقد ربط بينها جميعاً خيطٌ رفيع قاد إلى فكرة واحدة فحسب، هشاشة الكائن الإنساني على الأرض.
استطاع الراقصون من خلال تعبيرات الجسد، وحركاته، والرقصات التي أدّوها، تارةً بشكل فردي، وتارة بشكل ثنائي أو ثلاثي أو جماعي، إيصال فكرة الإنسان المُتصدّع، الذي يعيش في حالة تواصل عميق مع تباريحه وخباياه العميقة في أثناء الهجرة والتشرّد، وفي كثير من الأحيان مع تناقضات الذات الإنسانية، وتناقضات الجسد نفسه. كلُّ هذا عبّرت عنه تلويحات الأجساد الراقصة، في تلميحات فظّة أحياناً، وأخرى مليئة بالرّقة والحنان، في إشارة إلى الجانب الأنثوي والذكوري الموجود في كل كائنٍ إنساني.
إنّها إذا هجرات عاطفية، ونفسانية، تُعبّر عنها أجساد راقصة، فيها الكثير من عدم اليقين والعذاب والحيرة، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال حركة أذرع الراقصين، التي كانت تتمدّد وتتقلص برشاقة تارةً، وعدوانيةً تارةً أخرى، في إشارة إلى طرق الهجرة التي تمتدُّ عبر متاهاتٍ من الاحتمالات اللانهائية المفتوحة؛ إلى بدايات جديدة أو إلى طرق لا تقود إلّا إلى الهاوية.