كشف العدوان الإسرائيلي على غزّة أنّه قائمٌ ليس على أرض المعركة فحسب، بل على جبهات عديدة مفتوحة، وربّما لا تقل خطورة عن تلك المُلتهبة على الأرض الفلسطينية. إنّها عدوانُ اللّغة والكلمة، لا سيّما في ظلّ استيلاء وسائل الإعلام الصهيونية في الغرب على الخطاب الإعلامي والثقافي، مؤسِّسة بذلك للُغة تقوم على التزييف، بوصفه مبدأً، وعلى نظرية التسويغ باعتباره منهجاً.
وسائل التواصل الاجتماعي هي الراعية، بالإضافة إلى المنابر الصحافية والإعلامية التي تشحن اللُّغة بعبارات تحوّل الحقيقة إلى كذب، والكذب إلى حقيقة. ضمن هذا الإطار، لا بدَّ من آلية ضبط للُغة الصِّحافة، لأنّ الكلمة تؤثّر. فمن كان بالأمس مُحتلّاً، صار اليوم "مدافعاً عن النّفْس"، ومن هو مقاوم للاحتلال والاستعمار، صار بعد العدوان على غزّة، "إرهابيّاً خطيراً".
هذه الأمور وغيرها، يتناولها العدد الثالث والسبعون من مجلّة "الإسالتو" الإسبانية، التي يصدرها الموقع والجريدة الإلكترونية التي تحمل الاسم نفسه، ولعبت دوراً هامّاً في ظلّ العدوان الأخير على غزّة، حيث كانت من أبرز المنابر الإلكترونية التي فسحت المجال أمام المُدافعين عن القضيّة الفلسطينية من الكُتّاب والصحافيين الإسبان لتوضيح حقيقة ما يجري من حرب إبادة جماعيّة.
هل من المعقول أن يُطلق على من يدافع عن أرضه اسم "الإرهابي"؟
العدد الذي حمل عنوان "تقرير عن فلسطين" وأعدّه عدد من الصحافيين والعاملين في الجريدة الإلكترونية يأتي ليكون مرجعية إعلاميّة للصحافيّين الذي يريدون أن يغطّوا العدوان على غزّة في إسبانيا، لا سيّما في ظلّ التحريف والتزييف الواضح الذي يمارسه الصحافيّون في تغطية العدوان بالجرائد الإسبانية، خصوصاً تلك المنابر ذات التوجُّه اليميني.
في المقدّمة المُطوَّلة يتوضَّح الهدف من هذا "التقرير": "فلأن الكلمات مهمّة، ولأنّ المصطلحات المُختارة يُمكن أن تقول أكثر من المعلومة المُقدَّمة، ولأنّ الكلمات تُشكّل إطاراً وسِياقاً يمنحُ الشرعية أو يُزيلها، قرَّرنا أن نُقدّم في هذا العدد مُقترحاتٍ لبعض المُصطلحات والكلمات والعبارات التي يجبُ استخدامها من أجل تغطية القضيّة الفلسطينية. فهل من المعقول أن يُطلق على من يدافع عن أرضه من المُحتَلّ اسم 'الإرهابيّ'؟".
قد يكون من أبرز المصطلحات التي يتوقّف عندها المساهمون في العدد مصطلح "الحرب ضدّ حماس"، حيث يقترحون بدلاً من استخدام هذا التعبير الشائع في وسائل الإعلام الإسبانية والعالمية؛ والذي يصفونه بأنه غير دقيق ويعبّر عن انحياز الصحافي أو الكاتب لطرف على حساب آخر، مصطلح "المذبحة" أو "المجزرة"، في إشارة إلى ما ترتكبه "إسرائيل" في غزّة الآن. كذلك يرفض الصحافيّون وصف من يُدافع عن أرضه ضدّ الاحتلال بـ"الإرهابي"، لذلك يوصي العدد باستخدام اسم "حماس" بدلاً من "المجموعة أو الحركة الإرهابيّة".
"الإخلاء" هو تعبيير آخر يتوقّف عنده كُتّاب العدد، ويصلون إلى نتيجة أن ما تفعله "إسرائيل"، ليس عملية "إخلاء" بل تهجير قسري تمارسه على السكان في فلسطين.
لا شكّ في أن هذه المصطلحات المستخدمة وغيرها، ساهمت في تشويه القضيّة الفلسطينية، وتحويل الجلّاد إلى ضحيّة، وهو تحديداً ما تُريد إدارة تحرير المجلّة تجنُّبه، من أجل "التعبير عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية في التاريخ تشنُّها 'إسرائيل' على سكّان فلسطين".