تشكيليّون لبنانيون في السفارة الأميركية: لا وقت للتنديد بالإبادة

14 يوليو 2024
طفلان لبنانيّان قرب سيّارة إسعاف دمّرها العُدوان، العديسة جنوب لبنان، 24 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -

في الشهر التاسع للعُدوان الإسرائيلي الإبادي على غزّة وجنوب لبنان، وقبل يوم واحد فقط من مجزرة المواصي في خانيونس، التي ارتكبها الاحتلال أمس السبت واستشهد فيها أكثر من مئة فلسطيني، بحجّة استهداف القائد العام لـ"كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام" محمّد الضيف، بثّت سفارة الولايات المتّحدة الأميركية في لبنان، أول من أمس الجمعة، عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلاً تَظهَر فيه السفيرة الجديدة ليزا جونسون وهي تستقبل 16 فنّانة وفنّاناً تشكيلياً لبنانيّاً في مقرّ سفارة بلادها، حيث يعود تاريخُ هذا المقطع المصوَّر إلى حفل أُقيم في العشرين من الشهر الماضي، ضمن معرض بعنوان "خيوط الأمل".

تتحدّث السفيرة في التسجيل إلى ضيوفها الحديثَ "الأبيض" المكرر، قائلةً: "هذا أكثر من مجرّد معرض"، وتُردِّد الألفاظ التي طالما سمعناها من المسؤولين الغربيّين في بلادنا، سواء قبل أو بعد الاحتلالات التي تُغطّي عليها إدارات بلادهم بأكثر من الكلمات والألفاظ التي ردّدتها جونسون على مسامع الحاضرين، مثل "جسور"، "توطيد العلاقات"، "التبادُل الثقافي"... لكن مَن يكترث حقّاً؟

"رعاية للفنون" أم محاولة لغسل التواطؤ الأميركي مع الإبادة؟

في الإبادة تمرُّ الفنون، شأنُها شأن سائر الأنشطة الثقافية وعلى اختلاف حقولها، بامتحان وجوديّ يمسُّ جوهرها الإنساني وقيمتها الحقيقية، حول ما يُمكن للفنّان أن يقول ويصنع حقّاً كي يُوقف المجزرة أو يفضح مرتكبيها، بالعامّي الفصيح: "ما مدى أن يُقبَض الفنّان أصلاً هو وشغلُه، في مثل هذا الوقت العصيب؟". وفي الإبادة، يتساءل المشتغلون والمُتابعون لهذا الحقل، باليوم ألف مرّة: كيف لنا أن نُتابع حياتنا اليومية بشكل عاديّ، أن نرسم، وأن نعزف، وأن نكتب بأعين مُغمَضة، وكأنّ أحداً من حولنا لا يُقتَل، وبعد أن أقنعنا أنفسنا والعالَم من حولنا أنّ فنّنا وعملنا رسالة؟

وفي الإبادة، يشهد العالَم اليوم أكبر ذُعر مكارثي من أكبر موجة مُقاطعة للاحتلال وداعميه وتضامن عالمي مع فلسطين، قوامُها عمّال ونساء وطلّابٌ، وعلى رأسها فنّانون وفنّانات وكاتبات وكُتّاب مُنعت وصُودرت أعمالهم. ومع ذلك، هناك مَن يتجاهل كلّ هذا، مُؤثِراً الاستماع إلى عِظة "بيضاء" عن "الانسجام الحضاري".

الضيوف بدورهم لم يُقصّروا، وتفاعلوا بلكنة أميركية مُمتازة مع مُضيفتهم، فالسفيرة لا تُتقِن العربية، حيث يبدو أنّ "مدَّ الجسور" لا يتطلّب منها ذلك! يُحدّثُها أوّل عن "الأمل بغدٍ أفضل"، وأُخرى عن وجوب "الحفاظ على الروابط التي بيننا"، وثالث عن عملٍ له استوحاه من قصائد الحلّاج ومفاهيم المتصوّفة، وما أسهل الحديث عن المتصوّفة الشهداء في الحَضْرة الرأسمالية!

والمشاركون في الحفل، هُم: عفاف زريق، وعايدة حلوم، وأناشار بصبوص، وبيتي ياغي، وكريست إسكندريان، وفادي بلهوان، وغازي باكير، وهادي سي، وجوزيف الحوراني، ولينا لطفي، وماهر عطّار، ومجالي قطرا، ومانويلا غوراغوسيان، ونبيل بصبوص، وسمير تماري، وياسمينة هلال، وعازف الساكسفون سام أرنيليان. أمّا المؤسّسات الفنّية التي شاركت، فهي: "غاليري صالح بركات"، و"غاليري مارك هاشم"، و"مايا آرت سبيس"، و"آرت سين غاليري"، و"زلفا حلبي غاليري"، و"آرت ديستريكت غاليري"، و"متحف أناشار بصبوص"، و"استديو نبيل بصبوص"، و"استديو مانويلا غوراغوسيان".

وقال صالح بركات، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ مشاركة الغاليري الذي يملكُه ويديره تأتي "من باب الإيمان بالحوار عبر الفنّ والانفتاح على أيّ مبادرة، كما أنّ المشروع (Art In The Embassy) قد حُضّر له قبل عام، أي قبل الحرب في غزّة، وهو موجود حول العالَم لتتعرّف طواقم السفارات الأميركية على الفنّانين المحلّيّين ليس أكثر، من غير أيّ بُعد أو تأويل سياسي"، مضيفاً أنّ "السفيرة هي التي أبدت رغبتها في ذلك، ولسنا نحن من دعاها، ولو أُتيح لي لقُمتُ بالشيء نفسه مع السفارة الإيرانية، أو الروسية، ومع أيّ جهة تطلب منّا أن نُعرّفها على فنّانينا". الزيارة مرّت من دون أن تُثير أيّ جدل، ولا حتى تنديداً على وسائل التواصل الاجتماعي، سوى تغريدة أو اثنتين عبر منصّة "إكس".
 

المساهمون