أشارت الباحثة تشانغ هونغ يي (زاهرة) ــ في ورشة "آليات الترجمة بين اللغتين العربية والصينية: شروطها ومعوّقاتها ومعاييرها" التي قدّمتها عند الثانية عشرة من ظهر أمس الإثنين ــ إلى أنه لا يمكن التوّجه نحو الحداثة والعصرنة في الصين والعالم العربي إلّا بمساعدة حركة الترجمة.
تأتي الورشة التي أدارتها الأكاديمية الأردنية ابتسام الصمادي، ضمن فعاليات الموسم السابع من "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" في الدوحة، حيث اختيرت الصينية لعام 2021 كلغة رئيسية ثانية إلى جانب الإنكليزية، وتُستقبَل الأعمال المرشحة حتى منتصف آب/ أغسطس المقبل.
وأوضحت أن الترجمة عِلمٌ، كونها عملية نقل خطاب شفوي أو تحريري، من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، ويحوي هذا الخطاب معانيَ وأفكاراً ومعلومات، ورسالةَ وقصدَ كاتب النص، بينما لا تُعَدّ الترجمة الأدبية علماً فحسب، بل فناً أيضاً، إذ هي فنّ قديم قِدَم الأدب المكتوب، يعتمد على الإبداع والحسّ اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات.
هناك أساس موضوعي يحكم العلاقة مع النص المترجَم
وأضافت زاهرة أنه "من أجل بلوغ هدف التكافؤ القيمي، أصبحت الترجمة نوعاً من الشرح والتفسير، والحق أن هذا ليس مفهوماً جديداً بل مفهوم قديم سواء في الصين أو في البلاد العربية، أو في العالم بأسره"، مبيّنة أن هذه الفرضية ترسّخت لدى المشتغلين في الترجمة منذ القرن الثالث عشر في ما يخصّ مجالات التاريخ والأدب والعلوم الإنسانية بشكل أساسي.
استشهدت الباحثة بنماذج مترجمة من شعر امرئ القيس نقلها إلى الصينية تشونغ جيكون ببكين (صاع)، وزهير بن أبي سلمى بترجمتها، حيث التركيز كان على إيصال المعنى والصورة الشعرية دون الالتفات إلى أسماء الأمكنة التي لا تهمّ القارئ الصيني، إلى جانب ترجمات لنصوص للراهب لوي يان أحد فلاسفة الطاوية التي نُقلت إلى العربية واستدعت العديد من الشروحات التي توضّح المعتقدات والتعاليم الطاوية وتقريبها إلى القارئ العربي.
ونبّهت زاهرة إلى العديد من العثرات والأخطاء في عدد من النصوص التي تمّ نقلها من وإلى اللغتين، داعية إلى ضرورة تجاوزها من قبل المترجمين العرب والصينيين من خلال طرح مجموعة مقترحات مثل اتقان اللغة الأم واللغة الثانية المطلوبة، وأن يوسّع المترجم معلوماته ويجدّدها، ويلتقطها من الكتب ومن الحياة اليومية والوقائع الاجتماعية والمستجدّات العالمية، ويكون ذا ثقافة موسوعية، مع ضرورة أن يكون جادّاً في التعامل مع عمل الترجمة ومسؤولاً تجاه الكاتب وتجاه كتابه الذي يترجمه، وتجاه القرّاء أيضاً.
وخلصت إلى أن هناك أساساً موضوعياً يحكم العلاقة مع النص المترجَم، دون إسقاط آراء أو انطباعات شحصية، لذلك يجب أن يمرّ بترجمة أولية، ثم مراجعته من ناحية منطقية وتصحيح الأخطاء في المصطلحات والتراكيب، ويأتي في النهاية التنقيح وتجميل النص لرفع مستوى اللغة والمعنى.
يُذكر أن تشانغ هونغ يي (زاهرة) تشغل منصب عميد كلية اللغة العربية في "جامعة الدراسات الدولية" ببكين، وقامت بتأليف العديد من الكتب الجامعية مثل: "الجديد في اللغة العربية"، و"النصوص الأدبية العربية في العصرين الحديث والمعاصر"، و"مختارات النصوص الأدبية" وغيرها، كما نشرت دراسات باللغتين العربية والصينية، منها: "الشعر العربي المعاصر في ظل العولمة" و"الأدب السايكولوجي في الصين وبلاد العرب"، وترجمت مجموعة من الشعراء العرب إلى الصينية، منهم أحمد شوقي وجبران خليل جبران وبدر شاكر السيّاب وفاروق جويدة ونزار قبّاني.