"تحوّلات" لإيلي رزق الله.. سيرة لونية لأبنية بيروت

17 ديسمبر 2022
"بُرج المر"، أكريليك على قماش، 2022 (من المعرض)
+ الخط -

قلقٌ في بيروت، هو الشعور الذي ينتاب المتأمِّل في ستٍّ وعشرين لوحة من أعمال التشكيلي اللبناني إيلي رزق الله، ضمن المعرض الذي يحمل عنوان "تحوّلات"، ويحتضنه "غاليري Mission Art" في بيروت، حتى يوم غدٍ الأحد.

التقاطاتُ رزق الله تنشغلُ بعمارة المدينة، يسحبُها من فضائها الواقعي إلى آخر من ورق وألوان، فتتحوّل الأبنية والأبراج الإسمنيتة من حيّزات وفراغات إلى علاماتٍ تصدمُ الذاكرة، ولا توفّر الواقع أيضاً. ويدعنا نتساءل في أي الزمنين ارتاحت هذه المدينة، ولو قليلاً، من أثر التخريب؟ أفي زمن الحرب المنقضية قبل عقود أم في راهن الانفجارات والأوبئة هذا؟

الألوان في أعمال رزق الله يرتدّ إشعاعُها صوب ما تمثِّله، لا يُمكن أن تشعر بالانبهار أمامها مثلاً وذلك لشدّة ضبابيّتها، إنه ليس غايتها، بقدر ما تُحاربُه وتنفيه. لكنْ، ما معنى أن تنقلَ عماراتٍ ومشاهد بهذا الأسلوب إلى اللوحة؟

إنّها العمارات والأشياء التي يعرفها الناس في المدينة، على أنها رمزٌ للانقباض الروحي، لِمَا تعانيه من تنافرٍ في مواءمة المحيط، ثم تُلقي عليها غلالة شفيفة تُحجّم أي بريقٍ مُحتمَل، إذ ليس في المحصّلة سوى الدُّكنة، وحدها ما يتسيّد المشهد.

تبدو الدُّكنة (ومن ضمنها الاسوداد) هي الطابع الشائع في عدد من المعارض المُقامة في بيروت هذه الأيام، والأسباب لا يطول شرحُها طبعاً، لأنها راهنة وحاضرة في حياة الجميع تقريباً، وليس "تحوّلات" استثناء في هذا الجوّ المعمَّم، هو مأخوذٌ بأسبابه أيضاً.

طوابق إلى السماء - القسم الثقافي
"طوابق نحو السماء"، (من المعرض)

لكنّ الإضافة التي يقدّمها في هذا السياق أشبه ما تكون بردّ الاعتبار للمكان بوصفه منجماً للون، وكأنّ لسان حاله يقول بضرورة محاولة الاشتقاق لونياً من هذا المشهد، لا الاستسلام إلى معطياته فحسب.

عانت بيروت في تاريخها الحديث من الدمار والتخريب. قد يُحال هذا في جملته إلى الحرب وآثارها العسكرية، إلا أنّه يرجع في أحد مسبّباته لفترة ما بعد الحرب، أو ما سُمّي "إعادة الإعمار"، ودخول نمط وُصِف بـ"الجديد" في التشييد وبناء الأبراج.

هذا التناقض الكبير نلاحظُه في "تحوّلات". إنه قراءة مفتوحة في كتاب ذي صفحات هشّة، نراها تتناثر أمامنا، دون قدرةٍ على لمّها وصيانتها مرّة أُخرى.

المساهمون