من بين الفنانين الفرنسيين الذين عبرت أسماءهم القرنَين التاسع عشر والعشرين، وكانوا حاضرين ضمن أحجار الأساس في المشهد التشكيلي في هذا البلد، وفي أوروبا بشكل عام، يحضر بين أسماء الصفّ الأوّل الفنان بيار بونار (1867 ـ 1947).
في التأريخ لهذا القرنين، وللمدارس الفنية (الكثيرة) التي ظهرت فيهما، يحضر الفنان المولود قُرب باريس كحلقة مِفصلية بين انطباعية كلود مونيه وبول سيزان وكامي بيسّارو، من بين آخرين، وبين الحداثة التشكيلية، التي فتحت الباب، بطريقة ما، على أبرز التجارب التشكيلية المعاصرة.
منذ الثلاثين من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي وحتى الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الجاري، يستضيف "متحف غرونوبل"، في المدينة الفرنسية الواقعة جنوب شرق البلاد، معرضاً بعنوان "بونار: ألوان الضوء" يضمّ أكثر من مئةٍ من أعمال الفنان الفرنسي، أغلبها من لوحاته، إلى جانب صور فوتوغرافية ورسومات بالرّصاص ووثائق سيَرية.
يجد الزائر نفسه، عند دخوله المعرض، أمام حُجرات فوتوغرافية تُعرِّف بسيرة الفنان وبالمراحل الأساسية في تجربته التشكيلية، وعلاقاته بسابقيه ولاحقيه ومعاصريه من التشكيليين الفرنسيين، ولا سيّما مَن عُرفوا بـ"جماعة الأنبياء"، الذين كان واحداً منهم لفترةٍ من الفترات. مدخلٌ يمهّد لانتقال الزائر إلى أعماله التي استطاع "متحف غرونوبل" جلب أبرزها، متعاوناً مع عدد من المتاحف والمراكز الفنية الفرنسية التي تقتني أعمال بونار.
تشكّل الأعمال المعروضة تنويعاً على هوَس بونار باللون، والذي يمكن الوقوف عليه في الحضور شِبه الدائم للألوان الكاشفة، المائلة إلى الأصفر، في لوحاته، وفي تعلُّق الفنان بمشهدٍ شِبه وحيد، لم يكفّ عن رسمه والعودة إليه طيلة حياته: الطبيعة - من حدائق ومناظر وإطلالات ـ كما تبدو عندما ننظر إليها من الداخل، ولا سيّما من غرفة بنافذة مفتوحة، في صبيحةٍ أو ظهيرةٍ عاليةٍ بالإضاءة.