بلا دماء

30 اغسطس 2024
أليساندرو باريكو خلال مهرجان أدبي في مدينة بولونيا الإيطالية، 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في روايته "بلا دماء"، يتناول أليساندرو باريكو آثار الحرب على البشر دون تحديد زمان أو مكان، مما يجعلها تتجاوز الحرب الأهلية الإسبانية لتشمل جميع الحروب.
- الرواية تركز على حوار بين امرأة تجاوزت الخمسين ورجل تجاوز الستين، كان قد قتل والدها في الماضي، وتطرح تساؤلات حول دوافع القتل والحروب.
- تنقسم الرواية إلى قسمين: الأول يعكس الوجه الدموي للانتقام، والثاني يبحث عن العيش المشترك، مع التركيز على قيم التسامح والعفو.

في روايته "بلا دماء"، الصادرة هذا العام عن دار "ميريت" بترجمة أماني فوزي حبشي، يعود الروائي الإيطالي أليساندرو باريكو إلى الموضوع الذي قاربه معظم الكتّاب الإيطاليّين والإسبان، في القرن الماضي وفي قرننا الحالي، وهو موضوع الحرب الأهلية الإسبانية، دون أن يَذكرها، ولكنّنا نفهم الأمر من سياق الرواية، ومن استخدام الأسماء الإسبانية.

ليست الحرب الإسبانية هي المقصودة هنا فقط، إذ يتجاهل الروائيُّ التواريخ، والأمكنة، بل الحرب عموماً، وآثار الحرب على البشر، وطبائعهم، وأنماط سلوكهم، وبهذا فإنّ الكاتب يتجاوز واحداً من الأسئلة التي تشغل القرّاء، والنقّاد، والمتابِعين، للرواية في العالم، وفي عالمنا العربي الذي شهد حروباً عديدة، ولا يزال مرشّحاً للمزيد من الحروب؛ وهو السؤال عن المكان والزمان.

يكسر الروائي هذين المعطيَين كي تُقارِب الرواية الفكرة من الحرب: امرأة تجاوزت الخمسين من عمرها، تُحاور رجُلاً تجاوز الستّين حول الحرب. أمّا المرأة فهي الطفلة ذاتها التي قُتل أبوها على يد هذا الرجل الذي أضحى بعد أربعين سنة بائع صحف، إذ كانت مختبئة في قبو تحت الأرضية. يزعم القاتل أنّ الطبيب الذي قتلوه مجرم، وقد أعدموه انتقاماً. لا نرى، ولا نعرف الحقيقة حول جرائم الأب، ولكنّ الشخصيات تسرد الوقائع الماضية، وهُم يعدمونه، ويقتلون ابنه الصغير.

لماذا تقتلون؟ هذا هو السؤال الذي تواجه المرأة به القاتل القديم

لا نعرف ماذا تريد المرأة، وقد استطاعت الوصول إلى القاتل الثالث، بعد موت الآخرَين في ظروف غامضة. تُظِهرُ الرواية شخصيّة القاتل حائراً، غير أنّ حيرته مختلفةٌ عن حيرة المرأة، خانعة ومستسلمة، ولكن قاسية بلا رحمة تجاه ماضيه الدموي: لقد أخذ يبكي في المقهى، بعد أن واجهته بالحقيقة: هل تُسامح المرأة أم تقتل؟

لا تطرح الرواية هذا السؤال، بل تضعه أمام عينَي القارئ، فتُظهر أنّها لم تحضر للثأر، بل لتُحاول البحث عن السؤال: لماذا تُخاض الحروب؟ وهل يمكن أن نرتكب فعل القتل، إذا كان فيه "فائدة، ومعنى، وهدف؟". وهل في أيّ قتل فائدة يمكن من خلالها الوصول إلى مجتمع العدالة؟ لماذا تقتلون؟ هذا هو السؤال الذي تواجه المرأة به القاتل القديم، وهل يحقّ لمن يزعم أنه يريد بناء العالم الجديد أن يقتل؟

يقول الرجل: كنّا جنوداً.. كنّا نحارب.. كنّا نؤمن بعالَم أفضل.. عالَم عادل حيث لا يعاني الفقراء شرّ الآخرين. عالم يكون فيه للجميع الحقّ في الحياة السعيدة. كنّا نصارع لنحقّق هذا. تسأل المرأة حينئذ: هل يتحقّق هذا العالم بأن تقتلوا الأطفال؟ يجيب: نعم. إذا كان هذا ضرورياً. كان علينا أن نُعزق الأرض بكلّ ما فيها، ولا يمكن البذر قبل الحرث، يقول الرجل.

قسّم الروائي النصّ إلى قسمين. إنّهما وجها عالمنا المُعاصر: الأوّل هو الوجه الدموي الذي يرتكب فيه القتلة أحطّ أنواع الانتقام، غير مكترثين بأيّ قيمة أو أي روح، والثاني هو البحث عن سبيل للعيش المشترك. وفي مواجهة انعدام الندم لدى القاتل، تنتصر الرواية للحقيقة الإنسانية البسيطة المتجسّدة في المرأة التي تؤكّد على قيم التسامح والعفو والنسيان وتجاوز المحنة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون