ماذا يفعل الممثّل في حياته العادية؟ هل هناك هالةٌ ما أو حاجز بينه وبين نفسه؟ الإجابة عن أسئلة كهذه هي ما استثمرت به الممثّلة اللبنانية ماريا الدويهي، محوّلة تلك الإجابة إلى شكل من أشكال الـ"ميتا - مسرح" (مسرح يتحدّث عن ذاته أو ذوات المشتغلين فيه)، دون أن تُعطي الجانب العام لهذا المفهوم هيمنة كُلّية، فيصير العمل قضية مجرّدة، إنما بدفق فيه الكثير من الموقف الحياتي والهموم الذاتية التي تعترض أيّ إنسان، ممثّلاً كان أو غير ذلك.
في عملها المونو درامي "آخر بروفا" الذي ألّفته وأدّته الدويهي بنفسها، ووقّعه المُخرج شادي الهبر، وعُرض على خشبة "مسرح المونو" ببيروت، من الثاني عشر إلى مساء اليوم الأحد الثاني والعشرين من الشهر الجاري، تحاول الممثّلة أن تقدّم تجربة إنسانية فيها الكثير من الفضفضة عن حياةِ مُمثّلة.
بطولة نسوية تتجاوز عرض مسألة المسرح بطريقة تقنية إلى ما هو إنساني
في ذات السياق، وضمن المشهد المسرحي اللبناني، يُمكنُ لنا أن نستحضر عملاً مسرحياً عُرض الشهر الماضي حمل عنوان "لعلّ وعسى" وأدّته الفنانتان رندا الأسمر وحنان الحاج علي، وفيه أيضاً جرعة من الفضفضة وتَذكّر زمن مسرحي قد مضى.
وإنْ كان العملان يتقاطعان إلى حدّ ما في كونهما مسرحاً يتحدّث عن نفسه، إلّا أنّ ما يميّز "آخر بروفا" كمونو دراما (عمل يؤدّيه ممثّل واحد)، أن فضفضتها مونولوغ لا يُثبتُ حدوثُه سوى ترديد الصدى. فتبدوَ الدويهي بذلك وكأنها تعقد شراكتها مع ذاتها، إنها لا ترجع إلى ماضٍ وتتذكّره، بقدر ما تُقيم أخيلة وتقمّصات في آنِها الحاضر، علاجُها الوحيد أن تحكي، وأن تخرج عن صمتها، وحده هذا الخروج ينفي العزلة ويبدّدها.
وكعادة مسرح "شغل بيت" الذي يديره المُخرج شادي الهبر، فإن البطولة النسوية في أعماله قلّما تكون أُحادية الجانب، فهي تحملُ أبعاداً اجتماعية، مثل مسرحية "دفاتر لميا" التي عُرضت الصيف الماضي، أو "مرا لوحدا"، و"رحم" وسوى ذلك من أعمال أنتجها منذ انطلاقة المشروع عام 2016. وكذلك الأمر مع بروفا ماريا الدويهي الأخيرة، حيث طرحت فيها الشخصية الأساسية عدداً من الأسئلة، وبين السؤال والآخر كان لا بدّ أن تنتقل إلى مستوى أدائي مختلف.
من جهة ثانية، فإن العمل قد كُتب في ظلّ جائحة كورونا، وما فرضته من تغيير أساسي على أنماط حياتنا، ولا شكّ في أن العزلة التي يقاربها العرض تُحيل بقسطٍ كبير منها إلى ما عايشناه خلال الجائحة، وفي هذا سببٌ غير مباشر، لانزياحِ المسرحية عن عرض قضيّة شخص يعمل في المسرح، والاكتفاء بهذا فقط، ولمؤاثرتها الذهاب صوب مُشترَكاتٍ أوسع.