برلين والكِتابة الأدبية.. يومٌ لكريستوفر إشيروود

30 يونيو 2021
شارع فريدرش في برلين، نحو 1925 (Getty)
+ الخط -

ثمة صورةٌ شائعة عن برلين كمدينة لم تُصبح مركزاً إبداعياً ــ ينافس مدناً مثل باريس ولندن ــ إلا في العقود الأخيرة، بُعيد سقوط جدار برلين، أو في أفضل الأحوال خلال النصف الثاني من القرن العشرين. يكفي العودة إلى الحِراك الفلسفي الذي عرفته برلين منذ منتصف القرن التاسع عشر لتفنيد هذه النظرة.

على أنّ علاقة المدينة بالإبداع لم تتوقّف عند هيغل ومعاصريه من فلاسفة ومفكّرين، إذ طالما شكّلت المدينة فضاءً للأدباء يعيشون فيه ويكتبون انطلاقاً منه ومن شوارعه وساعاته الواسعة، أو مدينةً يقطعون المسافات لزيارتها والتعرّف إلى ناسها وأماكنها وتاريخها. يشهد على هذا حضور المدينة الكثيف في مختلف حقول الأدب، كما هو الحال في نصوص روبرت فالزر، أو في طفولة فالتر بنيامين البرلينية، على سبيل المثال لا الحصر.

هذا التاريخ الغني في العلاقة بين برلين والكتابة شكّل مادّةً واسعةً ومُناسبة لإطلاق برنامج "سعيد في برلين"، الذي تنظّمه "جامعة هومبولت"، و"بيت الأدب في برلين"، و"مكتبة فيستون هال"، وتستمرّ فعالياته ــ المخصّصة للكِتابات الإنكليزية حول المدينة ــ حتى نهاية تموز/ يوليو المقبل.

بعد جلساتٍ حول زيارة فرجينيا وولف إلى المدينة في نهاية عشرينيات القرن الماضي، وحول مقاهي المدينة واستضافتها لكتّاب وفنانين، وأُخرى حول الأفلام الناطقة بالإنكليزية التي تناولت المدينة في ثلاثينيات القرن الماضي، ها هو "بيت الأدب في برلين" يُقيم اليوم حلقةً جديدةً من البرنامج، تدور حول الكاتب البريطاني كريستوفر إشيروود (1904 ــ 1986) بالمدينة.

شكّلت برلين منعطفاً أساسياً، إن لم يكن المنعطف الأساسي، في حياة إشيروود الشخصية والأدبية، حيث مثّلت بالنسبة إليه فضاءً حُرّاً هرب إليه ــ عام 1929 ــ من أجواء بريطانية مُحافظة؛ سيعيش إشيروود هناك أربع سنوات، وسيستلهم العديد من أعماله القصصية من هذه المرحلة، ولا سيّما في "حكايات برلين" (1945)، المجموعة التي ستُستعاد مسرحياً وسينمائياً في السنوات اللاحقة.

في ندوة "سنوات كريستوفر إشيروود البرلينية"، التي أُقيمت عند السابعة من مساء اليوم بتوقيت برلين، توقّفت الباحثة كاترين بوكنل، المختصّة بأعمال الكاتب الإنكليزي، عند تأثيرات المدينة الألمانية على مسيرته، على المستوى العاطفي والشخصي، وكذلك على المستوى السياسي، حيث مثّلت الفضاء الذي عرف فيه صحوته اليسارية، وكذلك على المستوى الفني، ولا سيما في علاقته بصالات السينما والمسارح.

وعرّجت بوكنل ــ التي حرّرت يوميات إشيروود، وتعمل حالياً على كتابة سيرة ذاتية له ــ على أسطَرةِ الكاتب الإنكليزي لسنواته البرلينية في أغلب كتاباته، كما أشارت إلى أنه قام بتمزيق يومياته التي كتبها في برلين، في فعلٍ ما يزال يطرح أسئلةً على المختصّين بأعماله، الذين يتساءلون، مثل بوكنل، إنّ كنّا على معرفةٍ تماماً بمختلف وجوه التجربة التي عاشها إشيروود في المدينة.

المساهمون