في مسرحية "حارس المدينة"، التي عُرضت منذ أيام على خشبة "مسرح محمود أبو غريب" في "المركز الثقافي الملكي" بالعاصمة الأردنية، يدعو المخرج باسم عوض جمهوره إلى إعادة التفكير بمدينته عمان وتاريخها الذي لا ينفصل عن تاريخهم الشخصي ومنظورهم في التفاعل مع المكان.
العرض الذي سيعاد تقديمه خلال الأيام المقبلة، مقتبس من رواية "حارس المدينة الضائعة" (1998) للروائي الفلسطيني/ الأردني إبراهيم نصر الله، ومن تمثيل الفنان مصطفى أبو هنود، وموسيقى عبد الرزاق مطرية، وإضاءة محمد المراشدة.
يشير عوض في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنه اشتغل على الرواية في مستويين؛ الأول يتعلق بتحويل الخطاب السردي اللغوي المشبع بالتفاصيل إلى صورة، فلجأ إلى اختراع شخصية غير موجودة في الرواية من خلال استعادة واحد من الشخصيات المهمّشة التي عرفتها مدينة عمّان، وهو نبيل عبد الله حمدان الملقّب بـ"نابليون" والذي رحل عام 2012 بعد أن عاش على أرصفتها طوال حياته.
ويوضّح أنه اختار هذه الشخصية كونها الأقرب إلى قاع المدينة بشوارعها ومكتباتها وناسها، ويروي من خلالها حكايات الرواية وكأنها قصة حياته، ما يُخرج المشاهد من السرد والتفاصيل الكثيرة في رواية تنوف صفحاتها عن الأربعمئة، ويجعله في مواجهة إنسان حقيقي يقدّم رواية المدينة التي عرفها.
أما المستوى الثاني، بحسب عوض، فهو فكري ويتعلّق بالبحث بين السطور عن الرسائل المشفرة التي بعثها الكاتب من خلال الأماكن وعلاقة الناس فيها، والبحث عن هذه الرسائل تطلّب تأنياً شديداً في القراءة للإجابة عن سؤال: أين هي المدينة الضائعة في الرواية، وكيف ضاعت؟ محكوماً بالأمل أن يدبّ الدفء في المدينة بعد امتدادها الواسع عمرانياً وتشتت أحيائها، وأن يبنى ذلك الجسر بين شرقي المدينة وغربها المفصولين اجتماعياً وطبقياً، ويسلّط الضوء من جديد على أهل عمّان وارتباطهم العميق بأمكنة هجروها مثل طلعة الشابشوغ والمسجد الحسيني وكشك البلد وغيرها من الأماكن في وسط البلد.
يضيف المخرج "الراوي يرسل رسالة عشق إلى المدينة الفسيفسائية المكوّنة من عدد كبير من الثقافات شكّلت في المحصلة ثقافة عمّان؛ أم المدن كما يعيد اكتشاف علاقتها مع المدن الأردنية الأخرى عبر قراءة مخزونها التاريخي، وإعادة الاعتبار إليها بالمعنى الثقافي والإنساني".
يلفت عوض إلى أنه اخترع أيضاً شخصية أخرى تمثّل نقيض نابليون الذي تمرد على حالة السكون والإهمال وأراد أن يصنع نفسه بنفسه، من دون تدخلات وأن يكون من يكون، وهذه الشخصية هي "سفاري" التي تمثل الموظف الذي "يمشي الحيط الحيط"، ولا يبحث عن التجديد بل إنه مرعوب من أي شيء جديد يطرأ في حياته، وهي الشخصية التي كانت عليها شخصية نابليون قبل أن ينفجر ويعلن التمرد، والشخصيتان تسيران بخط موازٍ لأنهما تنطلقان من نقطة واحدة هي وادي الرمم ويصلان إلى شارع الصحافة في عمّان.
ويرى أن "تقديم هذا الزخم في العلاقات والأماكن في مسرح المونودراما من دون أن يطغى الملل على المتفرّج شكلا تحدياً آخر قاد إلى رؤية مختلفة من خلال الحركة الدائمة في المسرح، حيث يتم تغيير المشهد كل ثلاث دقائق سواء في الإضاءة أو الملابس أو الديكور للخروج عن الرتابة، وإلى البحث عن ممثل بطاقة كبيرة وإمكانيات أدائية لتقديم الشخصية، وهو الفنان مصطفى أبو هنود بأدواته وقدرته على أن يكون وحده على الخشبة، ويصاحب العرض أيضاً سينوغرافيا بسيطة وغير معقدة عبر الاعتماد على خلفية متقطعة كُسرت فيها الصورة من أجل أن ترضي إحساس المشاهد الذي قد يكون داخلها، إضافة إلى أيقونات في عمّان مثل عرباية الفستق وموقف الباصات.
ويتابع "كما تمّ تأليف موسيقى خاصة للعرض أعطي لها مساحة واسعة تؤدي رسالتها المنفردة، والتي وضعها الموسيقي عبد الرزاق مطرية لتمنح للحكايات دلالاتها وعمقها".
ويختم عوض بالقول "آن الأوان للعودة إلى مسرح يعبّر عن هموم الناس بعد ثلاثة عقود من التجريب والتغريب وتقديم نصوص من المسرح الأوروبي، والذي لم يؤسس حقيقة لجمهور حقيقي، واقتصر على نخبة تتابع المهرجانات"، مضيفاً أنه سيقدّم خلال الفترة المقبلة عرضاً جديداً من تأليفه بعنوان "على حسر عبدون"، وسيكون من إنتاجه بعيداً عن دعم ومعونات الجهات الرسمية، سعياً إلى تأسيس مسرح دائم بدلاً من المواسم المسرحية العابرة.