منذ احتلال مدينة الخليل عام 1967، تعرّض المسجد الإبراهيمي فيها لاعتداءات متكرّرة من قبل الكيان الصهيوني، الذي رفع علَمه على المعلم التاريخي الذي يعود تأسيسه إلى نحو ثلاثة آلاف عام، ومنع المصلّين من دخوله فترة، كما أدخل إلى المسجد نسخاً من التوراة ورموز عبادة يهودية.
تواصلت انتهاكات الاحتلال حتى اليوم، ولكن الانعطافة الأخطر كانت مع المجزرة التي ارتكبها المستوطن، القادم من الولايات المتحدة، باروخ غولدشتاين، الذي وقف خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلّون وفتح نيران سلاحه الرشّاش عليهم، فاستشهد تسعة وعشرين منهم وجُرح العشرات.
وقعت المجزرة فجر الجمعة؛ الخامس والعشرين من شباط/ فبراير 1994، الموافق الخامس عشر من رمضان 1415، أي قبل ثلاثين عاماً بالتمام، وبينما سالت الدماء في أروقة المكان، انقضّ مصلّون على غولدشتاين وقتلوه، لكنّ جنود الاحتلال أغلقوا أبواب المسجد لمنع المصلّين من الهرب، ومنع الوصول إلى الحرم لإنقاذ الجرحى.
وقعت المجزرة فجر الجمعة؛ الخامس عشر من رمضان، واستشهد فيها تسعة وعشرون مصلّياً وجُرح العشرات
وضمّت قائمة الشهداء كُلّاً من رائد عبد المطّلب النتشة، وذياب الكركي، وخالد أبو سنينة، وصابر بدير، ونمر مجاهد، وكمال قفيشة، وعرفات برقان، وراجي غيث، ووليد زهير أبو حمدية، وسفيان زاهدة، وجميل النتشة، وعبد الحق الجعبري، وسلمان الجعبري، وطارق أبو سنينة، وعبد الرحيم سلامة، وجبر أبو سنينة، وحاتم الفاخوري، وسليم إدريس، ورامي الرجبي، وخالد الكركي، ووائل المحتسب، وزيدان حامد، وأحمد أبو سنينة، وطلال دنديس، وعطية السلايمة، وإسماعيل قفيش، ونادر زاهدة، وأيمن القواسمي، وعرفات البايض، ومحمود أبو زعنونة، إلى جانب ثلاثة شهداء ارتقوا في مدينة الخليل في اليوم نفسه، وهم: علاء أبو سنينة، ومروان أبو نجمة، ونور الدين المحتسب.
بعد انتهاء المذبحة أُغلق الحرم الإبراهيمي، وفُرض منع التجوّل في المدينة، واستغلّت سلطات الاحتلال الحادثة لتقسيم الحرم بين الفلسطينيّين الذين فُرض عليهم الصلاة في "الحضرة الإسحاقية" فقط، واغتصب الصهاينة الحضرات "اليعقوبية" و"الإبراهيمية" و"اليوسفية"، كما تقرّر إغلاق الحضرة "الإسحاقية" أمام المصلّين أيام أعياد ومناسبات اليهود الدينية.
المبنى الذي شُيّد نهاية القرن الأول قبل الميلاد بالقرب من مكان دفن النّبي إبراهيم وزوجته سارة، وولدهما إسحاق وولده يعقوب، كما تشير بعض الروايات إلى دفن النبي يوسف في المكان نفسه، يقع في البلدة القديمة لمدينة الخليل ويحيط به سُورٌ مبنيٌّ من حجارة ضخمة يصلُ طول بعضها إلى سبعة أمتار، حتى بُني فوق مسجد خلال العهد الأموي وتمّ توسعته خلال فترة حكم العباسيّين والأيوبيّين والمماليك والفاطميّين.
وعلى مدار عقود ماضية، قام الكيان الإسرائيلي بسلسلة اعتداءات تمثّلت بنسف درع الحرم والبوابة الرئيسية المؤدّية إليه، وهُما أثران تاريخيّان، كما صرّح الحاكم العسكري الإسرائيلي عام 1971 بأنّ "الحضرة الإبراهيمية" في قلب المسجد تعدّ كنيساً يهودياً، ولم يمرّ عام واحد من دون منع للصلاة أو إقامة الجنائز أو انتهاك حرمة المكان من خلال دخول المستوطنين وتنظيم تجمّعاتهم فيه أو تخريب أجزاء منه وتغيير ملامحه وأثاثه ليأخذ صبغة يهودية.
وبعد تتفيذ المجزرة عام 1994، استمرّت سلطات الاحتلال بانتهاكاتها خلال العام نفسه عبر تركيب كاميرات موزّعة في أنحاء الحرم، وفرضت التفتيش بتركيب بوّابات إلكترونية وغرقة دائمة للجنود، وتحديد عدد المصلّين إلى 250 مصلياً يومياً.
لم تتوقّف الانتهاكات بعد ذلك حيث مُنعت إقامة الأذان في أيام عديدة، وسُمح للمستوطنين بدخول الحضرة "الإسحاقية" التي خصّصت للمصلّين المسلمين، وأجزاء أُخرى بأسلحتهم، وكتبوا أيضاً شعارات باللغة العبرية في محيط المسجد وداخله، كما أغلقت الحرم عدّة مرات لفترات متفاوتة، واعتقلت عشرات الفلسطينيين داخل المسجد، خلال اقتحامات الجنود المتكرّرة، وتمّ منع إدخال الموادّ لأعمال الترميم، وغيرها.