"الكمالات الثلاثة".. امتزاج الشعر والخط والرسم

01 اغسطس 2024
مقطع من بورتريه للشاعر والرسام الياباني يوسا بوسون (1716-1783/ من المعرض)
+ الخط -

تشير الأساطير الصينية إلى أن كلّاً من دو فو ومعه لي باي، اللذين عاشا في القرن الثامن الميلادي، كانا أوّل شاعرين يمزجان الرسم والشعر في عملٍ فني واحد، تمّ اعتماده كتقليد راسخ في جميع ثقافات شرق آسيا بعد عقودٍ عدّة، وأصبح يدرّس معاً في الأكاديميات والمدارس القديمة.

يجمع معرض "الكمالات الثلاثة: الشعر الياباني والخط والرسم" الذي يفتتح مساء السبت، العاشر من الشهر الجاري، في "متحف المتروبوليتان للفنون" بنيويورك، أكثر من مئة وستين عملاً تم إنشاؤها جميعاً في اليابان على مدار ما يقرب من ألف عام، والتي تبرز قوة وتعقيد أشكال الفن الثلاثة، وهي جزءٌ من مجموعة "ماري وتشيني كاولز"، التي يقتنيها المتحف.

ويتوقّف المنظّمون عند سمات ممارسةٍ كانت تتطلّب سنوات طويلة من التعلّم، الذي يستند إلى أن هذه الفنون هي من أرقى وسائل التعبير عن الذات، حيث كان يُنظر إلى الرسم بأنه شعرٌ صامت، وبأن الشعر رسمٌ صامت، لا يمكن إظهارهما إلّا من خلال "فن الكتابة اليدوية" المتمثّل بالخط.

اعتقدت الفلسفات اليابانية بأنَّ الكتابة والرسم مرتبطان بالطبيعة نفسها

في هذه الكمالات الثلاثة، لم يكن يتساوى الرسم والخط مع الشعر، والذي يقوم على الفكر والتأمّل، بل يمكن اعتباره الفن النقي والجوهري في اليابان القديمة الذي يحاكي الثقافة الصينية، والتي بدأت منذ القرن الثاني عشر بتطوير تعبيرات مركّبة تستدعي الحواس جميعها، لكنه يمكن القول إنّ قيمة الرسم كانت ترتقي بجوار النص الشعريّ، وينسحب الأمر كذلك على الخطّ الذي يُكتب به.

يتضمّن المعرض شاشاتٍ قابلة للطيّ مع قصائد مرسومة على ورق مزخّرف فاخر، يحتوي كتابات بخط رهبان الزن في كيوتو خلال العصور الوسطى. والزن بوصفها فلسفة وعقيدة تعني التأمّل والاستغراق في التفكير، ارتبطت بشكل وثيق بتاريخ الكتابة الشعرية في اليابان، وغيرها من البلدان الآسيوية، وصولاً إلى ظهور شعر الهايكو في القرن السابع عشر.

ارتبطت فلسفة الزن بشكل وثيق بتاريخ الكتابة الشعرية في اليابان

من بين النماذج المعروضة، بورتريه للشاعر والرسام الياباني يوسا بوسون (1716-1783)، الذي يعدّ من أبرز شعراء الهايكو في فترة إيدو (التي شهدت ازدهاراً للثقافة والعديد من الفنون)، حيث كان يؤمن أنّ الشعر المثالي هو قول اللغة المألوفة، ضمن ما كتبه من قصائد قصيرة اشتملت على تراكيب بسيطة لكن ليس من السهل تقليدها.

ويضمّ المعرض أيضاً مجموعة من المخطوطات المعلّقة مع اللوحات والنقوش التي تشير إلى الكلاسيكيات الأدبية الصينية واليابانية، والخزف الذي يصوّر جلسات الشاي؛ أحد الطقوس المتوارثة في الثقافة اليابانية، وتبيّن كيف أنَّ الشعر والرسم والخط تجتمع لدى النخبة التي كانت تحصل على وظائف عالية، وتكتسب امتيازات عديدة بسبب إتقانها الفنون الثلاثة مجتمعة.

كما يُعرض عملان لراهبي الزن موسو سوسيكي (1275-1351) وبايساو (1675-1763)، وهما مكتوبان بالكامل بالأحرف الصينية (كانجي)، باستخدام تقنية الفرشاة الجافّة وخطّ غليظ وجريء في تشكيلاته، ويجسّدان المثل الأعلى للزن المتمثّل في تجاوز الأعراف والقواعد لتحقيق التنوير الروحي.

في جميع الأعمال المعروضة، يركّز أصحابها على ائتلاف عناصر عديدة، منها: الإيقاع والتناغم والملمس والطاقة الروحية، حيث تضمّنت الفلسفات اليابانية الاعتقاد بأنَّ الكتابة والرسم مرتبطان بالطبيعة نفسها، التي تتدفق منها الطاقة عبر الفرشاة إلى جسد الإنسان ومن ثم الحبر.

المساهمون