القرار: مسرح القتل

03 فبراير 2023
تمثال لـ بريشت، أنجزه فريتز كريمر أمام أحد المسارح في ألمانيا، نيسان/إبريل 2002 (Getty)
+ الخط -

"القرار" مسرحية غريبة وعجيبة للكاتب المسرحي الألماني، المعروف جدّاً في عالمنا العربي، برتولت بريشت (1898 - 1956)، من بين جميع المسرحيات التي قرأتها، وهي الأكثر عدداً، أو شاهدتها. والمسرحية مطبوعة بالعربية ضمن سلسلة "دليل المناضل" التي كانت تُصدرها "دار ابن خلدون" في بيروت سنة 1977، بترجمة الكاتب اللبناني الراحل محمد عيتاني. وفيها مقدّمة شديدة الغرابة لكاتب أو مخرج اسمه بيار أبراهام، يقدّم فيها مجموعة من التوصيات التي كان بريشت قد تحدّث بها إليه هو شخصياً، قبل أن يموت. وفيها يقول إن المسرحية قد كُتبت لمجموعة من الفِتيان لدراستها، وتبادُل الأدوار التي تتضمّنها، وإنّ على القارئ أن لا يبحث فيها عن موضوعة، أو موضوعة مُضادة، ولا عن حُجج مع أو ضد، ولا عن مرافعات أو دفاعات، ولهذا يوصي أن نقف نحن متفرّجين أو قرّاء موقفاً حيادياً، فلا نحكُم، ولا نقيّم، ولا نبدي رأياً في ما يحدث على خشبة المسرح، أو في ما نقرأ على الورق. 

لكنْ ما الذي يجري هناك؟ الحكاية هي أن الفريق الحزبي الشيوعي جاء من موسكو ليقوم بدعم الحزب الصيني. وبينما يتوقّع الصينيون أن يقدّموا لهم ما يساعدهم على مواجهة الجوع، والإنهاك، والثورة المضادة، يهتف شيوعيو موسكو: "نحن لا نحمل لكم أيّ شيء من هذا، وإنما نحمل تعاليم المعلّمين والدُّعاة، ألفباء الشيوعية". 

والظاهر أن واحداً من المجموعة المناضلة يرتكب خطأ ما، يضرُّ بعملها، أو يعرقل هذا العمل، هكذا تبدأ المسرحية بالمحرِّضين الأربعة أمام جوقة القُضاة، وهم يقولون إنهم أعدموا أحد رفاقهم بالرصاص، وألقوه في حفرة كِلس، هذا هو فحوى مسرحية "القرار" كلّه. وحين تسأل جوقة القُضاة المحرّضين الأربعة عن أسباب ذلك، فإن الجواب هو: "إن هذا الرفيق قد فعل أكثر الأحيان ما كان ينبغي، وفعل أحياناً ما لا ينبغي، لكنه في النهاية عرّض الحركة كلّها للخطر". واللافت أنهم قالوا إن رفيقهم كانت نواياه طيبة، وأفعاله سيئة، فاستحقّ الإعدام.

أغرب مسرحية وصلتنا من برتولت بريشت 

وما يثير العجب أكثر، هو أن هذه المسرحية تنتمي إلى "المسرح التعليمي" الذي اشتُهر به بريشت، إلى جانب المسرح الملحمي الذي أخذ عنه كثير من الكتاب المسرحيين العرب، وغير العرب، قواعد وأشكال العرض المسرحي. وقد خرج هذه المرة عن قواعد لعبته المسرحية كلّها، إذ حين يتطلّب المسرح الملحمي تدخّل المتفرّج في العرض، أو في الفعل الحياتي، كما هو مفترض، فإنه هنا ينبّه القارئ إلى "ما لا ينبغي أن يضيف من عنده"، بل إن بريشت يطلب من القارئ حياداً صارماً لحَكَم في مباراة ملاكمة. 

ومن الواضح أن الكاتب المسرحي كان متردّداً إزاء النتائج التي وصلت إليها مسرحيته التعليمية (ما الذي تعلّمه إذا كانت تشجّع على تصفية الرفيق إذا أخطأ؟). لهذا طلب من السيد أبراهام، كاتب المقدمة، أن يقدّم تلك الوصايا، غير أنه كان في الوقت نفسه، قد حسم أمر التعليم فيها، فيقول إن بريشت قال له إن المسرحية "طريقة للتمرين، نوع من الرياضة البدنية لرياضيين سيخرج مجموع عضلاتهم منها أكثر قوة وأكثر مرونة، لاستخدامها في انتصاراتهم الخاصة".
  

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون