في دراسة أصدرتها "منشورات جامعة كامبردج" الشهر الماضي، توضّحُ أدلّةٌ جديدة حصل عليها علماء الآثار من خلال دراسة تواريخ الكربون المشعّ لعظام الحيوانات المستخرجة من كهف كوككاتلان في وادي بويبلا بالمكسيك، أن البشر استوطنوا أميركا الشمالية منذ أكثر من ثلاثين ألف عام مع وصول أولى الهجرات إليها، ما يقلب العديد من الحقائق الراسخة في تاريخ المنطقة.
"السكّان الأصليون لأميركا الشمالية: خرافات وأساطير الخلق والحياة" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "دار العائدون للنشر" في عمّان، ويضمّ قصصاً وموادَّ لأكثر من خمسين أسطورة ترجمتها صابرينا سخنيني وراجعها غيث شبانة.
ضمّ قصصاً وموادّ لأكثر من خمسين أسطورة إلى جانب صور ورسومات لعدد من الرحّالة
تعود المترجمة إلى رحلات قام بها مجموعة من الكُتّاب والأكاديميين والمصوّرين عبر الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين، بهدف جمع قصص تراثية تناقلها سكّان أميركا الأصليّون، حيث وَثّقت هذه القصصَ صورٌ التقطها المصوّر الفوتوغرافي إدوارد كورتيس على مدار عقدين (وعددها أكثر من أربعين ألف) لأشخاص ينتمون إلى حوالي ثمانين قبيلة، وغيره من المصوّرين مثل جورج كاتلين وكارل بودمير وكورنيليوس كريغوف. وأظهرت الصورُ الرجالَ والنساء الذين روَوا القصص، كما أرفقت مع الكتاب رسومات وضعها عدد من الرحّالة.
تبيّن المقدمة أنه بحسب قبائل كثيرة سكنت آلاسكا، فإن العالم ابتدأ بمسطّح مائي شاسع تطوّر بفعل رجال ونساء شجعان. بينما تروي أساطير قبائل القدم السوداء التي استوطنت بحيرات في ولاية مونتانا حالياً، كيف أن الإله المعروف لديهم باسم "الرجل العجوز" خلق الحياة في كلّ مكان حلّ فيه أثناء ترحاله عبر البراري. كما تشير إلى أنه وبخلاف عدد من الثقافات الأخرى، تفترض أساطير الخليقة هذه دوامَ العالم، فقد تطوّر العالم الذي نعيش فيه الآن أو تغيّر عمّا كان عليه سابقاً، إلا أنه لم يخلق خصيصاً لمنفعة البشر.
وتتطرّق أيضاً إلى المتحوّل أو المخادع الذي يُعَدّ من الشخصيات المحورية في أساطير الشكّان الأصليين لأميركا الشمالية، حيث يكاد يكون مسؤولاً عن توفير الضروريات التي تجعل حياة الإنسان ممكنة، ومسوؤلاً كذلك عن المصاعب التي تجعل الحياة صراعاً مستمراً؛ فهو الربّ والبطل والشيطان في الوقت ذاته. ويتمثّل المخادع في الجنوب الغربي من القارة بحيوان القيّوط، وفي الشمال الغربي بالغراب، أمّا بالنسبة إلى الألغونيكيين في منطقة البحيرات العظمى، فيُطلق عليه اسم ويسكيد جاك، وعلى طول ساحل المحيط الأطلسي الممتدّ من نيو إنغلاند إلى كندا سُمّي غلوسكاب.
تقول أسطورة "طائر الأزمان"، التي ترد في الكتاب، إن المياه كانت تغطّي وجه الأرض ولم يكن من الممكن مشاهدة شيء سوى سطح المحيط الشاسع وطائر الأزمان العظيم، الذي كانت عيناه ناراً ونظراته برقاً وتصعق أجنحته رعداً، وبعد أن عاش طويلاً في السماء هبط من موقعه، وما أن لمسه حتى برزت الأرض اليابسة فوق سطح الماء، وارتفعت بمساحتها الحالية وغدت مكسوّة بخضرة النبات، وصولاً إلى خلقه المخلوقات جميعاً ومنح شعب التشيبيويان سهماً يرمز إلى ما فعل، وطلب منهم الحفاظ عليه لكنه سُرق منهم بعد حين، ما تسبّب بغضب الطائر وهجره الأرض عائداً إلى مكانه. ولا يزال العديد من القبائل يعتقد أن الرعد والبروق ونزول المطر والثلج ينتج عنه.
ويحتوي الكتاب على أساطير أخرى مثل "اكتشاف العالم العلوي" عند قبيلة الجيكاريليس، و"كيف أصبح للناس خمسة أصابع" لدى قبائل المايوك، و"أسطورة الذرة" التي تؤمن بها قبائل الأريكارا، و"كيف سرق الغراب البحيرة" عند قبائل الهايدا، و"أصل النور والنار" كما تعتقد بها قبائل الليلويت، و"كيف سرق القيّوط النار" لدى قبائل الكالماث، و"مانابوزهو في بطن الحوت" عند قبائل أوجيبوا، و"نهاية طيور الرعد" بحسب معتقدات قبائل الإنويت، وغيرها.