الحراك في مواقع أُخرى

22 فبراير 2021
من لوحة لـ حمزة بونوة
+ الخط -

جاء فيروس كورونا إلى الجزائر - في الشهر الثالث من العام الماضي - على هوى كلّ من أراد للحراك أن يتوقّف على الأرض. كان المدّ الشعبي لا يزال مُصمِّماً على فرض ما هو أكثر من تغيير الصفّ الأوّل من رجال الدولة والذهاب إلى تغييرات أعمق تُنهي "إعاقات" كثيرة يعرفها البلد، من تكبيل الحرّيات والطاقات الشبابية، إلى فساد اقتصادي يتطلّب إصلاحاتٍ باتت ضرورية للقطع مع اختلال التنمية في بلد يزخر بالثروات الطبيعية. 

لكن، إذا كانت ظروف الوباء قد أتاحت خنق التجمّعات الشعبية الكبرى في الساحات والشوارع، فإن الرغبة في "جزائر جديدة" ما زالت قائمة، وبالتالي فهي تجد فضاءات أُخرى تتحرّك فيها، منها حضور أكبر للفنون في الفضاء العمومي أو تعدّد المشاريع الثقافية الجديدة، ولكن يظلّ أبرزها اتساع الفضاء الافتراضي باعتباره واقعاً موازياً يمكن أن تتواجه فيه مختلف الاتجاهات وتؤثّر مخرجاته في مسارات الأحداث، وهو ما نجد أثره بشكل واضح في منصّات التواصل الاجتماعي وفي عدد من المواقع التي جرى إطلاقها في الأشهر الأخيرة.

رغبة سلطوية متجدّدة في احتكار صناعة الرأي العام

هذا الفضاء البديل تحوّل هو الآخر - مثل الشارع - إلى مسرح تجاذب بين القطبين؛ الدولة والمجتمع. وفي حين يكون هذا التجاذب مجرّد مناورات لفرض إدارة على حساب أُخرى، فإنه قد يتحوّل أحياناً إلى معارك كسر عظام، من ذلك حجب عدد من المواقع الإلكترونية نهاية العام الماضي، دون تقديم أية تفسيرات، وهو ما يشكّل نوعاً من استقواء الأجهزة ظنّ البعض أنه قد انتهى مع نهاية حكم عبد العزيز بوتفليقة.

يُعبّر هذا الإصرار على العنف، الافتراضي في هذه الحالة، عن رغبة سلطوية متجدّدة في احتكار صناعة الرأي العام، والإشراف على توزيع المعلومة، وربما كيفية فهمها. من خارج الجزائر، لنا أن نتساءل: أي معنى لحجب موقع في زمننا؟ هل يُطمئن ذلك السلطة؟ ثم ألا يُفترض أن يقيم الحراك عقداً اجتماعياً جديداً بحيث يتغيّر مضمون مفردة السلطة فتصبح تعبيراً عن إرادة شعبية وليس منظومة فوقية لا تقبل التعايش إلّا مع من يسايرها. 

معطّلات كثيرة تحول دون هذا المستوى العميق من التغيير. لكن يبقى أن الحراك قد فرض متغيّرات كثيرة قد ينكرها فقط من يريدون العودة إلى الوراء لغاية في نفوسهم. ومن المعروف أن أي تغيير يفرز معادلات جديدة في كل فضاء اجتماعي - بالمعنى الذي يطلقه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو - ويفتتح بشكل أوتوماتيكي معارك تجاذب في كل موقع بين فئة مهيمنة تحاول الحفاظ على امتيازاتها وفئات لا ترى أن الوضع السائد في صالحها فتستند إلى عناصر المعادلة الجديدة كي تغيّر واقعها. 

إنها ميكانيكا التغيير، وليست الجزائر استثناء. وما من شيء يجعل ما قبلَ وما بعدَ الحراك متشابهين، إلا السقوط في تصديق انتصارات السلطة التي يريحها تعطيل كل شيء. من المهم ألا تتوقّف الرغبة في التغيير أبداً...

موقف
التحديثات الحية
المساهمون