على غير العادة، ليس ثمَّة ما يُثير الجدلَ أو الاهتمام في "قصر العناصر" هذه الأيّام. لا تصريحات لافتة قادمةً مِن مبنى وزارة الثقافة الذي يُطلُّ مِن موقعه في هضبة العناصر على جزءٍ مِن الجانب البحري لمدينة الجزائر العاصمة؛ فوزيرة الثقافة الحالية، وفاء شعلال، التي تَشغل منصبها منذ حزيران/ يونيو الماضي، تبدو مقلّةً في الظهور الإعلامي والإدلاء بتصريحات صحافية. وليسَ مؤكَّداً إنْ كانَ مردُّ ذلك إلى إستراتيجية اتّصالية لتجنُّب الانتقادات والجدالات التي تُثيرها، عادةً، مسائلُ صغيرة، ثمّ تنفخُها مواقع التواصُل الاجتماعي لتجعل مِنها قضايا رأي عام، قبل أنْ تتلقَّفها وسائل الإعلام التقليدية.
غالباً ما يتّخذ مُستخدمو الشبكات الاجتماعية مِن هفوات أو تصريحات المسؤولين الحكوميّين - ومسؤولو وزارة الثقافة مِن بينهم - مادّةً لتعليقاتهم التي تغلب عليها السخرية، وكثيراً ما تنجرُّ أسماءُ معروفةٌ في المشهد الثقافي والإعلامي إلى اللعبة، بينما تكاد تغيبُ النقاشات والسجالات حول المسائل الثقافية الجوهرية.
في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، مثلاً، علَّق كثيرون على تصريحٍ غريبٍ لوزيرة الثقافة السابقة مليكة بن دودة، خلال تظاهُرة بعنوان "أيام الكسكسي" أُقيمت بالتزامُن مع تصنيف "يونسكو" هذا الطبق الشعبيَّ ضمن قائمة التراث العالمي اللامادّي؛ قالت فيه إنَّ "المرأة التي لا تُحسن تحضير الكسكس تُشكّل تهديداً لعائلتها". تناولت وسائل الإعلام الخبرَ أيضاً، ثمّ أصدرت الوزيرة بياناً اعتبرت فيه أنَّ تصريحاتها أُسيء فهمُها، وانتهت الحكاية.
اكتفت الوزيرة، إلى الآن، ببعض اللقاءات التقنية مع مسؤولين في قطاعها
في المقابل، ثمّة قليلون فقط، في الفضاء الافتراضي، يُبدون اهتماماً بما تفعله الوزارة، وبمدى تنفيذ وعودها على أرض الواقع. كمثال عن ذلك، وعدت بن دودة، خلال زيارة قامت بها إلى ولاية باتنة، شرق الجزائر، في فبراير/ شباط الماضي، بتسييج الموقع الروماني "لامباز"، ضمن خطّة لحماية المواقع الأثرية. لكنَّ صُوراً التقطها أحد الصحافيّين المحليّين، بعد أكثر من خمسة أشهر مِن ذلك، أظهَرت أنَّ الموقع تحوَّل إلى مفرغةٍ عمومية وإلى موقفٍ للسيّارات. تُعطي الصُّوَر مثالاً عن الفجوة الهائلة بين تصريحات المسؤولين أمام عدسات الكاميرا وبين ما يُنجزونه على الأرض (الأمثلة في حالة بن دودة كثيرة جدّاً وتطرّقنا إلى بعضها في مقالات سابقة)، تماماً مثلما يُعطى عدمُ اهتمام مستخدمي مواقع التواصُل الاجتماعي بالصُّوَر التي نشرها الصحافيُّ على حسابه في فيسبوك فكرةً عن المواضيع التي يصنعون منها "قضايا رأي عام".
قد لا تكون الرغبةُ في تجنُّب الجدالات والتحوُّل إلى شخصية مفضّلة لروّاد مواقع التواصُل الاجتماعي، كما حدث مع سابقِيها، سبباً في صمت الوزيرة "الجديدة" التي اكتفت إلى الآن ببعض اللقاءات التقنية مع مسؤولين في قطاعها؛ فمِن الواضح أنَّ جزءاً مِن ذلك مردُّه إلى أنَّها لا تحملُ في جعبتها أيّة رؤىً أو تصوُّرات للقطاع الثقافي الذي قدمت إليه وزيرةً مِن خارجه. تبدو الوزيرة وكأنّها لا تملك شيئاً تقوله أو تفعله في قطاعٍ يحتاج إلى كثير من العمل. صحيحٌ أنَّ المشهد يعيشُ فترة ركودٍ بسبب جائحة كورونا. لكن، بدل التفكير في سُبُل لبعثه، باتت الجائحة بمثابة حجّة للاستمرار في حالة الركود.