لا يُمكن قراءة العنف الاستعماري الاستيطاني، الذي قام على أساسه الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين التاريخية، من دون التطرّق إلى مفهوم مركزي يتمثّل في التطهير العِرقي. فبعد أكثر من خمسة وسبعين عاماً على جريمة عام 1948، نجد أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني مُهجَّر حول العالَم في مخيّمات اللجوء ولا يستطيع العودة إلى بلاده.
هذا التطهير ليس مجرّد لحظة في تاريخ مُعيّن بل ديمومة مستمرّة، وعلى علاقة وثيقة بالإبادة الجماعية. هذا ما تُعالجه الباحثة الفلسطينيّة إسلام العالول، في كتابها "التطهير العِرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعلٌ استعماريّ استيطانيّ صهيونيّ محوريّ ومُستمرّ" (386 صفحة)، الصَّادر عن "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" في بيروت، بالتعاون مع "أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات".
يُساهِم الكتاب في توضيح الطبيعة العدوانية لهذا الاحتلال، وتشخيص واقعه، وتثبيت عدم قدرته على التعايُش السِّلمي، وميله المُستمرّ لمزيد من التطرُّف والتوحّش، ويتضمّن العمل مخطّطات توضيحية وصوراً أرشيفية وخرائط لتوضيح وتبسيط الأفكار.
توضيح طبيعة الصهيونية العدوانية وميلها لمزيد من التطرُّف والتوحّش
تنطلِق الباحثة في الفصل الأول، من "تمهيد مفاهيمي للاستعمار والتطهير العِرقي في السياق الفلسطيني"، وفيه تتناول مفهوم الاستعمار بشقَّيه: الاستيطاني والاستغلالي؛ وكيف يتكثّفان في النموذج الصهيوني، كما تبحث في شرعنة دولة الاستعمار حتى في خطابات تيار ما يُسمّى "المؤرّخين الجُدد"، وموقف القانون الدولي من الاستعمار الاستيطاني في فلسطين التاريخية.
كذلك تُفرد القسم الأخير من هذا الفصل لتحديد مفهوم التطهير العِرقي في السياق الفلسطيني، بما هو "سياسة مُحدَّدة جيّداً عند مجموعة معيّنة من الأشخاص، تهدف إلى إزالة مُمنهجة لمجموعة أُخرى من البشر عن أرضٍ معيّنة، على أساس ديني أو عِرقي أو قومي، وتتضمّن هذه السياسة العنف، وغالباً ما تكون مُرتبطة بعمليات عسكرية، ويتمّ تنفيذها بكلّ الوسائل المُمكنة، من التمييز إلى الإبادة، وتنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي".
"التطهير العِرقي ضدّ الفلسطينيين في مرحلة تأسيس دولة الاحتلال 1947 - 1949" عنوان الفصل الثاني، ويبحث في قرار التقسيم 181، الذي صدر عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" عام 1947، وما رافقه من حملات للتطهير العِرقي خلال الفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 ونيسان/ إبريل 1948.
كما عرضت الباحثة في هذا الفصل لـ"الخطّة دال"، التي وضعتها القوّات الصهيونية لتطهير فلسطين عِرقياً بين الأول من نيسان/ إبريل 1948 والرابع عشر من أيار/ مايو 1949، والتي تقضي بتوسيع "الدولة اليهودية" إلى أبعد من حدود التقسيم، من خلال نَسْف وحَرْق وتدمير القُرى العربية وطَرْد الفلسطينيّين إلى خارج الحُدود، أي الحصول على "دولة يهودية" على أكبر مساحة من الأرض وبأقلّ عدد من الفلسطينيّين.
إزالة مُمنهجة ارتبطت بعمليات عسكرية وتوسّلت التمييز والإبادة
ثم تناولت ما تلا إعلان الاحتلال عن "إقامة دولته" في الرابع عشر من أيار/ مايو 1948، وعمليات النهب والسَّرقة بعدها التي مسّت مئات المُدن والقرى الفلسطينية، والمجازر التي استهدفت الشعب الفلسطيني، والتي تجاوز عددها الثلاثين مجزرة.
أمّا الفصل الثالث فتناول "التطهير العِرقي في مرحلة الإرهاب الصهيوني الرسمي: إرهاب الدولة 1949 - 1967"، وما صاحب ذلك من خطاب الإنكار الصهيوني، وادّعاء "طهارة" سلاحه من جريمة التطهير العِرقي، وتهويد الخريطة الحضارية والجغرافية لفلسطين، من خلال تهويد مُمتلكات الفلسطينيّين المسروقة، ومسح القُرى الفلسطينية، وكتابة تاريخ إسرائيلي مُزيّف، وتهويد أسماء المَعالم والمواقع الجغرافية الفلسطينية. كما تطرّق الفصل إلى الحُكم العسكري الصهيوني لفلسطينيّي 1948، ومُمارسات التطهير العرقي بين 1948 و1966.
وعرض الفصل الرابع "التطهير العِرقي في مرحلة التوسُّع الصهيوني الإحلالي منذ 1967- …"، مُمارسات التطهير العِرقي في حرب حزيران/ يونيو 1967، وبداية الاحتلال الصهيوني للضفّة الغربية وقطاع غزّة، ومُمارسات التطهير العِرقي ضدّ الفلسطينيين خلال الفترة 1968 - 1993، وبعد اتفاقيّات أوسلو.
كما تضمّن الكتاب دراستَي حالة، الأولى بعنوان "التطهير العِرقي ضدّ المقدسيِّين في التجمّعات الفلسطينية الواقعة خلف الجدار"، والثانية بعنوان "تحت غِطاء الأمن: تنفيذ تطهير عِرقي مُتواصل ضدّ الفلسطينيّين: مُواطنو وسط مدينة الخليل".
يُذكَر أنّ الكتاب كان قد صدر قبل العدوان الهمجي المُتواصِل على غزّة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ويُثبت النهج الإبادي الإجرامي الذي مارسه الاحتلال، خلال الأشهر الثلاثة، الإطار العام الذي قدّم من خلاله الكتاب لمفهوم التطهير العِرقي ضدّ الشعب الفلسطيني وراهنيّته.