في لقاء علمي نظّمته "مديرية الثقافة والفنون" و"جامعة قالمة"، أمس الخميس، في "دار الثقافة عبد المجيد الشافعي" بمدينة قالمة شرقي الجزائر، تحت عنوان "التراث المادّي الجزائري وامتداداته الأفريقية"، اعتبر أكاديميون وباحثون في علم الآثار أنّ البحوث الأثرية التي أنجزها فرنسيّون خلال الفترة الاستعمارية (1830 - 1962) هدفت إلى "طمس أصالة التراث الثقافي الجزائري".
وتحت عنوان "ملاحظاتٌ تقنية حول آليات طمس أصالة المدافن المحلّية المبكرة"، قدّم مراد زرارقة مداخلةً تناول فيها توظيف علماء الآثار الفرنسيّين بحوثهم حول المواقع الأثرية بالجزائر بهدف "إضفاء الشرعية على الغزو الاستعماري للجزائر".
وقال زرارقة إنّ الاستعمار الفرنسي وظّف، منذ الوهلة الأُولى لغزوه الجزائر، البحوث الأثرية لتسويق أفكار استعمارية؛ من قبيل أنّ السكّان الأصليّين لا يمكنهم العيش من دون استعمار أجنبي، مُستدلّاً على ذلك من تركيز البحوث المنجَزة في هذا السياق على الفترة الرومانية في الجزائر، وإغفال الفترة النوميدية بشكل كلّي.
واعتبر المتحدّث أنّ اختيار الآثاريّين الفرنسيّين المصطَلحات لم يكن بريئاً، ومن ذلك مصطلحا "المنهير" و"الدولمن" للتعبير عن الشواهد الحجرية والطاولات الحجرية الموضوعة على القبور الأثرية، مُضيفاً أنّ الباحث الفرنسي جان ديشولات قال في كتاب له عن الآثار في فترة ما قبل التاريخ، صدر سنة 1908، إنّ استخدام مصطلحَي منهير ودولمن "يُشعرني بالانتماء أكثر إلى فرنسا".
ويتّفق محمد فوزي معلم مع ما ذهب إليه زرارقة؛ إذ أشار في مداخلته، التي حملت عنوان "التراث الأثري في قالمة بين الأصالة والتأثيرات الخارجية"، إلى أنّ البحوث الأثرية الفرنسية حول المنطقة أهملَت تماماً التراث الأثري في المناطق الريفية التي كان يقطنها السكّان الأصليون من النوميديّين الذين كانوا يرفضون الوجود الروماني.
وأكثر من ذلك، يُضيف فوزي معلم أنّ الباحثين الفرنسيّين عمدوا إلى إطلاق تسمية "آثار رومانية" على كلّ الآثار الموجودة في المنطقة، موضّحاً أنّ نتائج توصّل إليها باحثون في قسم الآثار بـ"جامعة قالمة" أظهرت أنّ كثيراً من المَزارع الفلاحية ومَعاصر الزيتون ومطاحن القمح وشبكة الطرقات في المناطق الريفية أنجزها السكّان الأصليّون، ولم تكن رومانية مثل ما تزعم البحوث الاستعمارية.
يُذكَر أنّ اللقاء أُقيم ضمن فعاليات "شهر التراث" في الجزائر (18 نيسان/ إبريل - 18 أيار/ مايو)، والذي يُقام هذا العام تحت شعار "التراث الثقافي الجزائري وامتداداته الأفريقية"، ويشهد تنظيم عدّة ملتقيات وندوات ومعارض في مدن جزائرية مختلفة.