تبدو صورة الأبطال الروائيّين (الأفضل أن نقول: السياسيّون في الرواية) في كتاب الناقد طه وادي، الذي سمّاه "الرواية السياسية" ("مكتبة لبنان - ناشرون"، 2003)، في غاية الغرابة؛ فهو يقسّمهم في هذا النوع إلى قسمين متناحرَين، القسم الأول هو البطل الذي تحتفي به الرواية، وتقدّر أنه هو شخصيتها الرئيسية، فيقدّمه الناقد على أنه "البطل" وحسب، كي يُلحق به مجموعة مختارة من الصفات المثالية: خيِّر، وملتزِم، ويبحث عن القيَم السامية والحبّ النبيل، وهو شخصية نامية رئيسية، ويشغل مساحة كبيرة في النص.
أمّا البطل المضاد فهو (بل يجب أن يكون كذلك، وفق الوصفة النقدية) في هذا الكتاب: شخصٌ فاسد أو مخادع، يقف ضدّ تحقيق الخير والحقّ والحبّ، كما أنه متوسّط الأهمّية فنّياً، ويشغل مساحة أقلّ في النص. على أنّ أكثر صفات البطل المضادّ غرابةً هي أنه "بطل أحمق، فاسد وغبيّ حيناً، ومخادع حيناً آخر".
ومع ذلك، تتطلّب الرواية، أي هذا الشكل أو النوع، نشوءَ صراع ثنائي هنا، بين ممثّل الخير "الخارق"، وممثّل الشر "الغبيّ المخادع". ولكنْ، كيف يمكن أن يكون هذا الصراع؟ إنه صراعٌ ركيك، غير عادل أخلاقياً، وفنّياً، وإنْ كان يستجيب للمطالب السياسية بالضرورة، التي تستدعي انتصار البطل.
أقرب إلى الحكاية الشعبية منه إلى جوهر الرواية الديمقراطي
فالبطل ليس ندّاً للبطل المضادّ، بحسب هذه المواصفات، ومن السخرية أن يضعه الروائي في حلبة صراع مع شخص أدنى مرتبةً وقوّة، إذ سيكون انتصاره سهلاً، ودون بطولة. وثمّة منشأ آخر للركاكة، وهو أن كلا البطلين لا وجود لهما واقعياً، فالبطل الخيّر، هنا، بطلٌ مُسبَق الصنع بحسب المواصفات القياسية للروائي السياسي، بل إنّ مجرّد وجود مثل هذه الشخصية، بهذه المواصفات المطلقة، يسلبها إنسانيتها وينزع عنها الروح.
ومشكلتنا مع الشر، والأشرار، هي أنهم ليسوا أغبياء، وإنّنا نعاني في مجتمعنا من سطوتهم وقدراتهم التي قد تتّصف بالشطارة والذكاء والخبث والقدرة على اغتنام الفرص، وربّما كان الخيّر نفسه "ساذجاً" في بعض الأحيان. و"سذاجة" الخيّر ناجمة عن طبيعته الطيبة وحُسن نواياه وثقته بالبشر. وهو، لهذا، يقع في كثير من الأحيان ضحيّةَ طِيبته، وتكون مأساته في استقامته ونزاهة نواياه وأعماله، في محيطٍ فاسد.
وفي كلّ الأحوال، فإنّ النمذْجة نفسها هي التي تُفسد العمل الأدبي، وتُحوّله إلى خطاب سياسي مباشر، سواءً كنّا نقدّم صورة البطل الخيّر، أو صورة البطل الشرّير.
وصورة البطل التي يُقدّمها الناقد، في كلا الوجهين، هي أقرب إلى صورته في الحكايات الشعبية، لا في الرواية. فقد اختلفت الرواية عن الحكاية، منذ نشأتها، في أنّها ذات طبيعة ديمقراطية، يمنح فيها الروائي شخصياته الحقَّ في الوجود كشخصيات حقيقية، لا أبواق. وفي هذا المجال، يتجلّى واحدٌ من عيوب الرواية السياسية العربية في أنّها قد تكون تكراراً لشكل السياسة في عالمنا العربي، الذي يفتقر تماماً لتقاليد الديمقراطية.
لا نعثر على مثل هذا النمط في الرواية العربية، إلّا في النماذج التي كتبها موظّفون وضبّاطٌ ومتقاعدون احتفت بهم دور النشر الرسمية، وفازوا في مسابقاتها.
*روائي من سورية