"إيكيجاي": سعادة الانشغال الدائم

23 يناير 2021
صادق أمين خوجة/ الجزائر (جزء من لوحة)
+ الخط -

أُلّف هذا الكتاب في ليلة ممطرة، في طوكيو، عندما جلس مؤلِّفاه هيكتور غارسيا وفرانسيس ميرالز معاً لأول مرة في أحد المقاهي الصغيرة. كان كلّ منهما يقرأ ما يكتبه الآخر دون أن يلتقيا، بسبب آلاف الأميال التي تفصل بينهما، من طوكيو إلى برشلونة. تواصلا عبر أحد المعارف، ونشأت بينهما صداقة أفضت، في نهاية المطاف، إلى كتاب "إيكيجاي" الذي صدرت ترجمته العربية عن "مكتبة جرير" عام 2019.

جاءت فكرة الكتاب خلال مناقشة طويلة بين المؤلفين حول التوجّهات السائدة في علم النفس، وتحديداً العلاج بالمعنى، الذي يساعد البشر في العثور على هدفهم من الحياة. وقد لاحظا أن العلاج بالمعنى الذي طوّره فيكتور فرانكل لم يعد توجّهاً سائداً بين المعالجين النفسيين الذين صاروا يفضّلون مدارس علم نفس أخرى، رغم أن البشر ما زالوا يبحثون عن معنىً لما يفعلونه، وعن الطرق التي تمكّنهم من عيش حياتهم، وهو ما يدفع كثيراً منا لطرح أسئلة مثل: ما معنى حياتي؟ هل الهدف هو العيش لمدّة أطول، أم السعي لتحقيق هدفٍ أسمى؟ ولماذا يعرف بعض الناس ما يريدونه ويتمتّعون بشغف بالحياة، بينما يعاني آخرون من الارتباك والتشوّش؟

بعضنا وجد الإيكيجاي الخاصّ به بينما ما يزال آخرون يبحثون عنه

في مرحلة ما من حديثهما، تطرّق الكاتبان إلى جزيرة أوكيناوا (مليون و200 ألف نسمة) الواقعة جنوب اليابان والتي يصل عدد مَن يزيد عمرهم عن المئة عام فيها إلى 2455 من كلّ مئة ألف نسمة، أي أكثر بكثير من المتوسّط العالمي. ويعتقد الذين درسوا أسباب تعمير سكّان الجزيرة لمُدَد أطول من بقية البشر أن ذلك يرجع إلى اتباعهم مبادئ إيكيجاي في حياتهم، فضلاً عن السير على نظام غذائي صحّي، وعيش حياة بسيطة في الهواء الطلق، وتناول الشاي الأخضر، والعيش في مناخ شبه استوائي.

هذا ما دفع غارسيا وميرالز إلى حزم أمتعتهما والذهاب في رحلة لدراسة أسرار المعمّرين اليابانيين، مصطحبين معهما الكاميرات وأجهزة التسجيل.

وفقًا لليابانيين، فإنّ كل شخص لديه إيكيجاي، أو "سبب وجود"، خاصّ به. بعضنا وجد الإيكيجاي الخاص به، بينما ما يزال آخرون يبحثون عنه، رغم أنهم يحملونه داخلهم. ذلك أن العثور على طاقة الإيكيجاي، المخبأة في أعماقنا، يتطلّب بحثاً متأنياً. ووفقًا لأولئك الذين وُلودا في جزيرة أوكيناوا، فإن الإيكيجاي هو الدافع وراء استيقاظهم كلّ الصباح.

كتاب إيكيجاي - القسم الثقافي

يستشهد الكتاب دائماً بأقوال لمفكّرين وفلاسفة تحدّثوا عن الانغماس باللحظة، حيث يُفتتح أحد الفصول بقول أرسطو: "نحن ما نفعله مراراً وتكراراً. والتميّز ليس عملاً، إذاً، بل عادةٌ بالأحرى". وهو يتضمّن تسعة فصول يتحوّل فيها المؤلفان من التصدّي للأجوبة الفلسفية عن سبب وجودنا في هذه الحياة، إلى الطقوس والتمارين الروحية، ثم إلى وصف نظام غذائي صحّي، قبل أن ينتهيا إلى تلخيص عشر قواعد للإيكيجاي: ابقَ نشطاً، ولا تتقاعد، تحرّك ببطء، لا تملأ معدتك، أحِطْ نفسك بالأصدقاء المقرّبين، حافظ على لياقتك البدنية، ابتسِمْ، أعد التواصل مع الطبيعة، أظهر امتنانك، عشِ اللحظة، وأخيراً اسعَ خلف الإيكيجاي الخاصّ بك.

يمكن للمرء أخذ مثال عن البحث عن الإيكيجاي الخاص به. تخيّل أنك تتزلّج على منحدر، والثلوج تتناثر على الجانبين، وكل شيء حولك في أقصى حالاته المثاليّة. إنك تركز تماماً على عملية التزلّج، وتعرف بالضبط كيف تتحرّك في كلّ لحظة. ليس ثمّة مستقبل أو ماضٍ. ليس هنالك إلا الحاضر. إنك تشعر بأن الثلج وجسمك ووعيك متحدون في كيان واحد. أنت منغمس تماماً في التجربة، لا تفكر في شيء آخر، وانتباهك لا يشتّته أيّ شيء آخر. إنك تتلاشى، وتصبح جزءاً مما تقوم به. في هذه اللحظة، تماماً، تكون قد أمسكت بالإيكيجاي الخاص بك؛ ويبقى أن تتمكن من العيش باقي حياتك بالطريقة نفسها من الذوبان والاتحاد مع الطبيعة.


* كاتب من العراق

المساهمون