في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، يؤرّخ الشاعر والفيلسوف الأندلسي لسان الدين بن الخطيب (1313 - 1374) لحاضرته التي ازدهرت منذ أن قرّر الزيريون تأسيس مدينة حول قلعتها التاريخية، لتصبح بعد ذلك عاصمة الأندلس وأهمّ مراكزها الثقافية والعِلمية.
يقسّم الكتاب إلى قسمين؛ الأول "في حلي المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن"، والثاني "في حلي الزائر والقاطن والمتحرّك والساكن"، وفيهما يقدّم وصفاً دقيقاً للمدينة منذ أيام الفتح حتى سلاطين بني نصر (بنو الأحمر) في عصره، وكيف أصبحت دار إمارة (مركزاً للحكم)، كما تناول سيَر أبرز شخصياتها.
تعود المخرجة الإسبانية إيزابيل فرنانديز في فيلمها الوثائقي "بناة قصر الحمراء"، الذي بدأ عرضه في صالات السينما في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى أوراق ابن الخطيب لتوثيق القصر، الذي أمر بتشييده مؤسس دولة بني الأحمر، الغالب بالله أبي عبد الله محمد الأول في القرن الثالث عشر الميلادي.
يُعرض الفيلم عند السابعة من مساء بعدٍ غدٍ الجمعة في "البيت العربي" بمدريد، والذي يضيء كيف تمّ بناء هذا المعلم الفريد، ومن هُم أبرز البنّائِين والحِرفيّين والفنانين الذين شاركوا في تشييده، ودوافعهم لإنشائه، والمغامرة التي مثّلها المشروع، والصراعات التي دارت حول القصر في فترة تاريخية مليئة بالأزمات السياسية والمتغيّرات الاجتماعية.
وتُضيء المخرجة فترة حكم أبي الحجاج يوسف الأول ابن الأحمر الذي أكمل بناء قصر الحمراء، وكان مهجوساً بتخليد أثر معماري فني في فترة شهدت الأندلس صراعات دموية بين الإمارات العربية في ما بينهم، وكذلك بينها وبين الممالك المسيحية، فأراد يوسف الأول أن يترك معلماً يُشير إلى حضارة لا يمكن نسيانها، بحسب رؤية إيزابيل فرنانديز.
ويبيّن الفيلم كيف ورث محمد الخامس السلطة عن والده أبي الحجاج، وشارك ابن الخطيب سياساته الجديدة ومنظوره للحكم، حيث عيّنه وزيراً ومستشاراً ولعب دوراً كبيراً في تلك الفترة، كما نُقشت أبياتٌ من شعره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة.
ترى إيزابيل فرنانديز أن فكرة فيلمها انبثقت من افتتانها بالتراث الإسلامي في إسبانيا، وأوروبا عموماً، الذي وصل ذروته خلال القرن الرابع عشر، ووجدت بقصر الحمراء المَعلم المُناسب لفهم تلك الحقبة التاريخية بثرائها السياسي والاجتماعي والثقافي.