"وجَد شهريار نفسه في مدينة ليست من صنع بشر، كأنها الفردوس جمالاً وبهاءً وأناقة ونظافة ورائحة ومناخاً، تترامى بها في جميع الجهات العمائر والحدائق، والشوارع والميادين المكلّلة بشتى الأزهار وتنتشر فوق أديمها الزعفراني البرك والجداول، سكّانها نساء، لا رجل بينهن، ونساؤها شباب، وشبابها جمال ملائكي..."، هكذا وصف نجيب محفوظ الجنّة في "ليالي ألف ليلة" التي أُنزل منها شهريار لأنه فتح الباب المحرّم.
رسَم حلمي التوني لوحات غلاف الطبعة الأولى من الرواية عام 1982، وبعد نحو أربعة عقود تستعيد إكرام عمر فانتازيا تلك الليالي في معرض افتتح الثلاثاء الماضي في "غاليري خان المغربي" بالقاهرة، ويتواصل حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
الفنانة المصرية (1940) التي أقامت معرضها السابق قبل ثمانية عشر عاماً، وجدت في العمل مناخات غرائبية وشخصيات عجائبية توافق تجربتها الطويلة المستندة إلى تقديم مشاهد بروحية غنائية تحتفي بالطبيعة وكائناتها، وعوالم الطفولة وأحلامها وألعابها، بتكوينات بسيطة ومعبّرة في آن.
في معرضها الجديد "إكرام عمر ونجيب محفوظ - ألف ليلة وليلة"، تلجأ إلى الوسائط ذاتها التي تعاملت معها منذ سبعينيات القرن الماضي؛ النسيج والرسم، حيث تتعامل مع الأقمشة بمختلف أنواعها والقطن والأصباغ بألوان متنوّعة، محافظة على أسلوبها التعبيري في توليد الحركة والإيقاعات داخل كل لوحة، سواء احتوت عناصر ومفردات محدّدة أو احتشدت بتفاصيل مركّبة وعديدة.
استفادت الفنانة التي التحقت بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ولم تكمل دراستها ثم درست في "المدرسة العليا للفنون الزخرفية" بباريس، و"أكاديمية الفنون الجميلة" بروما، من عملها مدرّسة للتربية الفنية، حيث امتلكت جرأة في استخدام وتوظيف خامات مختلفة واختبار طاقتها التعبيرية، والتعامل أيضاً مع الطفل كفنان ومتلقّ معاً.
تنتمي أعمال إكرام عمر إلى "التصوير النسجي"، كما أطلقت عليه، حيث تصفها قائلةً: "استبدلت بالتة التصوير التقليدية للألوان الزيتية والمائية أو الجواش والباستيل… الخ، ببالتة أخرى من الأنسجة والخيوط الملونة، وذلك لأني منذ طفولتي المبكرة كانت تبهرني تلك الأقمشة والخيوط فكنت أخلق منها عالمي الخاص".
تضيف: "في السبعينيات حاولت عمل صور صغيرة من المنسوجات والخيوط الملونة والتي كانت تتطلب أيضاً خبرة في الصباغة، لذا كان تنفيذ أي عمل تصويري يستغرق مني فترات طويلة حتى يخرج إلى النور حاملاً كل مقومات خبرتي في التصوير. الآن وبعد خمسة وثلاثين عاماً أصبحت التقنية أقل صعوبة، مما أتاح لي فرصة لتنفيذ أعمال تصويرية بأحجام كبيرة".
تتوزّع في المعرض مجموعة من الأعمال بقياسات مختلفة مستمّدة من ليالي محفوظ ومنفّذة بلغة إكرام، حيث الأشجار بيضاء اللون تتحلّق كدائرة تحاكي حضرة المتصوّفة وفوقها عصافير وفي المركز نور مشعّ، ويظهر في عمل آخر كائن غريب بوجه طفلة وجسم سمكة فوق طائر أزرق.
كما رسمت الفنانة في أحد أعمالها عروس البحر بجسد وشعر زهري اللون تحيط بها أسماك صغيرة، وهي تحتضن أزهاراً ملونةً، ويحطّ على ذيلها طائر يشبه الهدهد، وسيأكل الحوت الأسود اللون في لوحة ثانية القمرَ الذي تتراقص خلفه النجوم.