في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دُور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية، ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين دراسات في الموسيقى وتاريخها والأبحاث الفكرية والسياسية، والمجموعات القصصية والترجمات الأدبية.
■ ■ ■
عن "منشورات جامعة أكسفورد" صدر لأستاذ الموسيقى والباحث الكندي مايكل ماريسن، كتابٌ بعنوان "باخ ضدّ الحداثة". يقدّم الكتاب أدلّة تمّ التغاضي عنها، أو أُسِيءَ فهمُها حول انخراط المؤلّف الموسيقي الألماني في القضايا الدينية والاجتماعية على نحو حداثوي، يتجاوز ثقافة القرن الثامن عشر وتناولها في مقطوعاته. كما يُعيد تفسير مجموعة من أعماله الرئيسية مُقارباً مشاكل تلقّي النصوص الألمانية القديمة مثلما ألّفها باخ، بالإضافة إلى الطابع اللاهوتي لموسيقاه التي وُسمت بنمطها العلماني، في محاولة لتفكيك الصورة المعروفة عنه.
للباحث المغربي عادل القريب، صدر عن "منشورات المتوسط" كتابٌ بعنوان "إدوارد سعيد، ثورة الفكر النقدي: من الخلفيات إلى المفاهيم". يتناول الكاتب المفاهيم النقدية التي طوّرها المفكّر الفلسطيني (1935 - 2003)، ضمن الحقل الأدبي خاصة، في محاولة لتقريب القارئ من تلك الطروحات بأسلوبٍ سلس، وبعيداً عن التعقيدات الجزلة التي امتازت بها أبحاثُه. ويُشير العمل إلى تأثيرات الاتِّجاه الماركسي التي ظلَّت واضحة في كتابات صاحب "الاستشراق" (1978)، بالإضافة إلى تأكيده حتمية الصراع بين القوى الإمبريالية الغربية وبين الشعوب المُضطهَدة.
عن "دار الحوار"، صدرت ترجمة كتاب الفيلسوف النمساوي لودفيغ فيتغينشتاين (1889 - 1951)، "الإنسان حيوان احتفالي: أبحاث في الثقافة والأنثروبولوجيا"، والتي أنجزها: حميد جسّوس. الكتاب عبارة عن موقف نقديّ اتّخذه صاحب "تحقيقات فلسفية"، من كتاب "الغصن الذهبي" الذي وضعه الأنثربولوجي الإنكليزي جيمس فريزر عام 1890. حيث يرى فيتغينشتاين أنّ تفاسير هذا العمل تصدر عن "عقلية فيكتورية"، وتدلُّ على وحشية (غربية مركزية) أشدّ بكثير من حالة "الأقوام البدائية"، وآخرين وصفهم الكتاب بـ"المتوحّشين"، ويردّ ذلك إلى أوهام استعلاء عِرقي.
في السنوات الأخيرة، وفي خِضمّ "الحروب الثقافية"، وعمليات الاستقطاب المتزايدة التي تحدث في الولايات المتحدة، بدأت ظاهرة "الإلغاء" تكتسب زخماً كبيراً، إلى درجة أنها صارت تُصدَّر إلى الدول الأوروبية. في كتاب "ثقافة الإلغاء في الولايات المتّحدة الأميركية"، الصادر عن "دار أليانزا" الإسبانية، ينظر الباحث كوستانزا ريزاكاسا دورسوجنا في أسباب هذا الزلزال الثقافي ضمن سياقه التاريخي الذي نشأ به في الولايات المتّحدة، بدءاً من مارك توين وفيليب روث، مروراً بمارغريت أتوود ودوستويفسكي، ووصولاً إلى أفلاطون وحتى هوميروس نفسه.
يُعيد الباحث الاقتصادي جان مارك دانيال، في كتابه "تاريخ الاقتصاد العالمي"، الصادرة ترجمته عن "دار الساقي"، بتوقيع: جلال بدلة، النظر في بعض الأفكار الاقتصادية الراسخة عبر تحليلٍ لتطوّر النظريات والسياسات الاقتصادية العالمية، كما يستعرض العواقب الناجمة عن الأفعال المُضلّلة للبيروقراطيّين والتكنوقراطيّين ممّن يعملون على حساب القيمة التي يخلقها المنتجون الحقيقيون من عمّال ومُزارعين ومُقاولين ومُبتكِرين. وبذلك يقدّم روايةً عن التاريخ الاقتصادي للعالَم، منذ أصل الحضارات حتى العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.
عن "دار ورد للنشر والتوزيع"، صدر كتاب "الحرب الروسية الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي"، للباحثة الأردنية هديل محمد القضاة. يخلُص الكتاب إلى أنّ الحرب قد ساهمت في التأثير بطبيعة النظام الاقتصادي الدولي، وتمثّلت بشكل كبير في قضايا الطاقة والأمن الغذائي ونقص الموادّ الخام، لكنها، وعلى المستوى السياسي، لم تُحدِث تأثيراً في طبيعة النظام الأُحادي القطبية، مع عدم إغفال سَعي دول العالم الثالث لإعادة بناء تحالفاتها بغاية الخروج من حالة التبعية السياسية والاقتصادية المفروضة عليها، ثم الاستفادة من تداعيات الحرب.
صدرت النسخة العربية من رواية "مرآة النسيان" للروائي والسيناريست التركي جورسال كورات عن "دار العربي للنشر والتوزيع" بترجمة سوسنة سيد. تعود الرواية إلى لحظة تاريخية معقدة وقعت في مدينة نوشهير وسط الأناضول بتركيا، حيث وصل إليها جنرال يدعى ضياء بيك ومساعده خورشيد عام 1915 في مهمّة محدّدة أوُكلت لفرقتهما تتمثّل بنفي الأرمن القاطنين فيها، بعد أن قاموا بمهامّ مماثلة في مدن مثل بوغازليان وإيغدالي، وغيرها، لكنّ الجنرال ينشغل بأمور أُخرى لا صلة لها بعملية الترحيل، وهي التي ستصنع حبكة الرواية حيث يبدأ بحثه عن تابوت.
"كعكة الحمار الوحشي" عنوان مجموعة قصصية للكاتب المصري بلال حسني صدرت عن دار "الكتب خان". يتناول الكتاب ثلاث رحلات قصار يقوم بها الراوي، داخل نفس المدينة، ونفس الحيّ، ونفس البيت، قبل أن تتداعى الجدران الواهية للزمن، بين نهايات قرنٍ مضى وبدايات عصر جديد، لتكشف عن مدينة الإسكندرية بنوافذها المُهشَّمة، وبيوت طبقاتها الشعبية التي تأخذ بالتحلُّل. كما تُضيء المجموعة عوالم العاطِلين من العمل، ورجال الأعمال الصغار والمُحتالين، والتجّار الذين يحرسون "بضائع لا تُباع إلّا في مخازنَ تسكُنها الأسرار والفضائح الصغيرة".
للمطبخ الإسكتلندي تقاليد عريقة ومعروفة في جميع أنحاء العالم، تعود إلى بداياته منذ مئات السنين وصولاً إلى موقعه الحالي على مسرح الطهي العالمي. في كتاب "المطبخ الإسكتلندي"، الصادر عن دار نشر "راندوم هاوس" العالمية، يعرّفنا الشيف الإسكتلندي غاري ماكلين إلى أكثر من مئة وصفة متنوّعة من بلاده، ويربط بين فنّ الطبخ والمناظر الطبيعية والتاريخ، إضافة إلى عرضه للمكوّنات التي تجعل الطعام الإسكتلندي مُميّزاً للغاية. كما أنه يعرض بعضاً من أكثر الأطعمة رواجاً في العالم، من القريدس إلى الحلوى السوداء والسلمون المدخّن الساخن.
عن دار "نينوى" السورية، صدرت طبعة جديدة من كتاب "المواقف والمخاطبات" للنفّري، بتحرير محمد أديب الجادر. يجمع العمل نصّين يُنسَبان إلى المتصوّف الذي عاش خلال القرن العاشر بين العراق ومصر، وفيهما يجمع فيها بين مديح الذات الإلهية التي يتوجّه إليها تارةً، ويستمع إلى خطابها تارةً أُخرى، ضمن تماهٍ بين المتصوّف وخالقه. ورغم أساسهما الدينيّ هذا ولغتهما التي تقترب ممّا يسمّيه دارسو الخطاب الصوفي بـ"الكشف"، إلّا أن الكتابين يقومان على تأمُّل فكري وفلسفي ومقاربة لمواضيع مثل المعرفة، واللغة، والوجود، والمعنى.
عن منشورات "كتاب الجيب" الشعبية في فرنسا، صدرت طبعة جيب من رواية "سيّدات القمر" للراوئية العُمانية جوخة الحارثي، والتي نقلها إلى الفرنسية خالد عثمان (كانت الطبعة الأولى، ذات القطع الكبير، قد صدرت عام 2021). ظهر العمل بالعربية عام 2010، لكنّه لم يحظَ باهتمام كافٍ إلّا بعد فوزه في ترجمته الإنكليزية (2018) بـ"جائزة مان بوكر الدولية" عام 2019. من خلال مصير ثلاث أخوات وعائلاتهنّ، تستعرض المؤلّفة التاريخ الحديث لبلدها والتغيّرات التي طرأت على المجتمع، والتي تصوّر الانقسام الطبقي العميق الذي يفصمه.