أنتَ وليُّ هذا الدّم

01 ابريل 2024
أطفال يقفون فوق أنقاض البيوت التي دمّرها العدوان، مخيّم المغازي وسط قطاع غزّة (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ظل محاولات الإبادة والتهجير، يبرز صمود واستبسال المقاومة في غزة كحائط صد ضد تحقيق الأعداء لأهدافهم، مع تقدير عميق لجيل الشباب الذي يواجه الحصار والحرمان بإرادة فولاذية.
- النص يحتفي بالمقاومة والتضحيات الجسام التي يقدمها الشباب في مواجهة العدوان، مؤكدًا على أن هذه الأفعال تفوق كل ما يمكن أن تسطره الكلمات، وتشكل تاريخًا جديدًا يُكتب بالدم والتحدي.
- يعكس النص الألم والتحول الذي يعيشه الفرد والمجتمع تحت وطأة العدوان، مشددًا على العزم على المقاومة ورفض التضحية بالأجيال القادمة ككباش فداء، مع تأكيد على أن القتال والمقاومة هي لغة الشعراء في مواجهة الظلم.

على أرض الإبادة، يريدون محونا، بالقتل وبالتهجير. هذا هو حلّهم النهائي لنا. ولولا صمود واستبسال المقاومة في غزة، لحققوا حلمهم، وانتهى الأمر من شهور. 

أريد في هذه الكلمات الضنينة أن أنحني لجيل أولادنا الفقراء، جيل الحصار والحرمان، وجيل الإرادة. كل ما كتبت وسأكتب، لن يوفيهم أدنى الحق. هؤلاء هم جدارنا الأخير وحائط صدّنا، يواجهون حرب القوى الفتاكة عليهم، وهم بضعة ألوف.

من قال إن زمن البطولات انتهى؟ من قال إن المعجزة لا يمكن أن تخرج من إهاب الشحّة؟ أنها لا يمكن أن تنتصر في زمن البنوك الكبرى؟

كي لا تبقى أجيالٌ من شعبك كبش فداء عند الإمبرياليّين للأبد

نتكلّم ونستدعي رموز المقاومة وأبطال التاريخ القديم والحديث، لنشبّه أولادنا الحاليّين بهم. وهذا على حسن مقصده، خطأ. فالحق أن أولادنا فاقوا جميع الرموز في صلابتهم وإيمانهم وتعاملهم مع العدو الأعلى تسليحاً في الكوكب. إننا والحال كذلك، شهود هذه الملاحم التي لا سابق لها، والتي لا يعرف أحد عنها اليوم إلا النزر اليسير. إنهم يكتبون تاريخنا، بدمهم وبشراسة استبسال الضعيف أمام المفتري.

وحتى اللحظة، وإلى أجل غير مسمّى، سيبقى ما نكتب، أياً كان جنسه، عاجزاً أمام ما يحدث من ملاحم.

مقاتلونا يبدعون، وكتابنا يكتبون، وشتان بين قوتَي المداد والدم.


■■■


مع استمرار الإبادات، تُصبح أقلّ قدرة على تحمُّل الألَم. ومع زيادة تركيز الوعي، تكاد تمرض فيزيائيّاً، لأنّ العدوّ أيضاً في العائلة. ولأنّ ما ترى هو زمنٌ وثائقي لا خيال، تكثُر الانفجارات في الرُّوح، حتى لا تعود أنتَ ما كنتَ. أهلُكَ في الجحيم، وأنتَ الآن نسخةٌ شَرِسة من نفسك. تودُّ أن تصرخ في الشارع الفلمنكي والمكتبة، مُعلناً أنّ زمن الغناء في الشعر انتهى.

مُعلِناً: أنا وليُّ كلّ هذا الدّم. ما عشتُ وما عاش أولادي إنْ صار الدّمُ ماءً.

إنّ من حرَم أحفادك بُرهة طفولة، حين قلبَهم إلى جيل نكبة جديد، لا يستحقّ أن يُواصل التنفّس. من جعلَهم يأكلون رغيفَ علفِ الحيوانات القاسي على المضغ والبلع، لا يستحقّ أن يكون إلّا عدواً، ولو كان من نفس الدِّين والجغرافيا.

الدّمُ بالدّم، حتى لو تضاعف الأعداءُ عدداً. هذا هو منطق الشِّعر لا السياسة، لأنّ الشاعر هو مستحيل المُمكن السياسي.

كيف لأمثالك أن يناموا، وواحدة من جاراتك تستيقظ فجراً من نومها في خيمة النزوح، هناك في المواصي، لتجد نفسها بين جنازير الدبّابة؟ أيّ خيال يطاول هذا الواقع الميتا خيالي؟

أنتَ وليُّ هذا الدّم، كي لا تبقى أجيالٌ من شعبك كبش فداء عند الإمبرياليّين للأبد.


* شاعر فلسطيني مُقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون