"بدأ مسار أمينة رشيد، الباحثة والأستاذة الجامعية، صاحبة الرؤى المُجدّدة في الأدب المقارن، في مصر الكوزموبوليتانية خلال الأربعينيات من القرن الماضي، اشتبكت مع اللحظات الكبرى في تاريخ استمرّ حتى بداية الألفية الثالثة".
بهذه الكلمات قدّمت الباحثة المصرية سلمى مبارك كتابها "أمينة رشيد: أو العبور إلى الآخر"، والذي صدرت ترجمتُه حديثاً عن "المرايا للثقافة والفنون"، بتوقيع المترجِمة داليا سعودي.
يتناول الكتاب (صدر أوّلاً بالفرنسية عام 2019) المسيرة الفِكرية للباحثة والناقدة في حقل الأدب المقارن (1938 - 2021)؛ وهو على إيجازه، إذ يقع في 138 صفحة، إلّا أنه يُضيء الإطار الفكري العام الذي اشتغلت وفقه صاحبة "تشظّي الزمن في الرواية الحديثة" (1998)، منذ التحاقها بقِسْم اللغة الفرنسية في "جامعة القاهرة" عام 1954. مع أنّ الفرنسية كانت لغتها الأولى التي تعلّمتها في المنزل؛ وهنا بدأت رحلة العبور صوب الآخَر، أو بالأدقّ مَن يكون هذا الآخر؟
لم تكن اللغة الفرنسية في مصر ذلك الحين، مجرّد لغة وحسب عند طبقة العائلات الثريّة التي نشأت رشيد في كنفها، بقدر ما كانت مانعاً أساسياً من التعرّف على الذات، والتوجّه صوب العربية كلغة، والتفكير من خلالها. وبهذا أصبح عبورُ رشيد بين اللغتين/ الثقافتين يحتملُ بُعداً طبقياً بالضرورة، ولم يعُد ذاتياً، إنما امتزج فيه الشخصيُّ بالعام، كما حضر فيه السياسي بشكل كبير؛ وهذا ما تمثّل في العقود اللاحقة من حياتها ونشاطها خارج أسوار الأكاديميا.
كذلك تُشير مبارك في كتابها إلى مفهوم "الوساطة"، وهو المعادِل الأكاديمي لذلك التموضُع السياسي والطبقي الذي توجّهت صوبه، واختارته بعيداً عن طبقتها ونشأتها الأُولى.
من هنا فإنّ الأدب المقارن، كما تكتب مُبارك، "تمثَّل بوصفه مُحرِّكاً أخلاقيّاً للعلاقة مع الآخَر، وعاملاً إبيستيمولوجيّاً ضدّ الحواجز بين الاختصاصات العِلمية، ليُكثّف تلك النظرة الساعية إلى الوساطة، وتلك الحركة التي حثّت دوماً أمينة رشيد على عبور الأسوار: أسوار اللغات، والطبقات الاجتماعية، وأسوار العلاقات الإنسانية خاصة".
كذلك يقرأ الكتاب مُنجَز صاحبة "قصة الأدب الفرنسي" (1996)، مضيئاً، في الوقت نفسه، مشهدَ التيارات الثقافية في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأبرز الأسماء التي حضرت في حياة أمينة رشيد، وعلى رأس هؤلاء زوجُها الناقد سيد البحراوي الذي قدّمت معه ترجمات مشتركة، من بينها: "الأيديولوجيا: وثائق في الأصول الفلسفية" لـ ميشيل فاديه، وروايتَا "المكان" لـ آني إرنو و"الأشياء" لـ جورج بيريك، وغيرها.