وضَع خير الدين التونسي، في كتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" عام 1867، خلاصة تأمّلاته السياسية في لحظة تاريخية ظهرت فيها أولى دعوات الإصلاح والتحديث في المنطقة العربية، داعياً إلى الأخذ بأسباب التقدم والاستفادة من علوم الغرب ومعارفه، التي رأى أنها لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
الإصلاحي ورجل الدولة التونسي (1820 - 1890) ــ الذي اعتزل عمله في البلاط، في موقف رافض لسياسات حاكم الإيالة التونسية آنذاك أحمد باشا باي (1806 - 1855) التي أهدرت أموال البلاد ــ زار أوروبا، وسعى في أطروحته التاريخية إلى الإجابة عن السؤال الذي شغل بال رجال النهضة العرب، ولا يزال قائماً حتى اليوم: لماذا تَقدّم الغرب وتأخّر المسلمون؟
عن "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون ــ بيت الحكمة"، صدرت الطبعة الرابعة من "أقوم المسالك"، وتتضمّن تمهيد الكتاب كاملاً، والمجلدين: الأول الذي يحتوي وصف عشرين بلداً أوروبياً، والثاني الذي يشمل أقسام الكرة الأرضية والخاتمة والتقاريظ.
تتضمّن الطبعة الجديدة جدولاً يبيّن بوضوح أثره في تطوّر الكتابات السياسية وفن الرحلة في القرن التاسع عشر
الكتاب طُبع مرّة ثانية عام 1990، وأعاد "بيت الحكمة" إصدار طبعة ثالثة منه عام 2013، إلى جانب طبعات عربية مختلفة. وفي الطبعة الثالثة التي حّققها الباحث المنصف الشنّوفي، أُضيفَتْ بيبليوغرافيا تناولت ترجمة خير الدين ومذهبه الإصلاحي وأعماله وعصره بالاعتماد على ما جدّ من دراسات، وفيه أيضاً فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأعلام والأشعار الأماكن والكتب ووالمصطلحات الوارد ذكرها.
تحدّث الطبعة الرابعة البيبليوغرافيا وفق دراسات جديدة حول الشخصية والكتاب الذي "لفت مؤلّفه انتباه النخبة العلمية والسياسية آنذاك وما يزال إلى اليوم يعدّ من أبرز المؤلفات في ميدان إصلاح أنظمة الحكم والدعوة إلى الاستفادة من المنجزات الحضارية للأمم الأخرى"، بحسب بيان المنظمين.
كما تتضمّن هذه الطبعة دراسة تحليلية عن خير الدين تشمل جدولاً زمنياً جامعاً لترجمته منزّلة في عصره، وجدولاً ثانياً يبيّن بوضوح أثره في تطور الكتابات السياسية وفن الرحلة في القرن التاسع عشر.
يُذكر أن المجلد الأول يضمّ وصفاً للنظم الإدارية والسياسية والعسكرية في الدولة العثمانية، وفرنسا، وإنكلترا، والنمسا، وروسيا، وبروسيا، وعصبة جرمانيا، وإيطاليا، وممكلة السويد والنرويج، وهولندا، والدنمارك، ومملكة بافاريا، وبلجيكا، والبرتغال، وسويسرا، والفاتيكان، ومملكة الفورتنبرغ، وإمارة بادن الكبرى، واليونان. بينما تناول الفصل الثاني جغرافيا القارات الخمس والبحار، إلى جانب المقدمة التي توجز تجربة خير الدين وتنظيراته الإصلاحية.