استمع إلى الملخص
- يتناول النص العزلة والألم الذي يشعر به الشاعر جراء الحرب والدمار، متسائلًا عن معنى الوطن والهوية في ظل الظروف القاسية، ويصور الأرض كشاهد على الخراب.
- في الختام، يرفض الشاعر الواقع المؤلم ويؤكد على دوره كحامل لرسالة وأمل لمستقبل أفضل، مشددًا على أهمية الكلمات والذكريات في إعادة بناء الوطن وإحياء الأمل، متعهدًا بإنقاذ الموتى وتوزيع الجرح لإيجاد طبيعة جديدة بعيدًا عن الدمار.
أنا لستُ قناعاً، لست إلّا طيفاً يجوب المدن والوديان، وكان قد هرب بهذه الصورة البائسة أمام الأراضي المنكوبة، حيث تنمو فلسطين تحت المطر، وأنا عطش من لم يتصوّر هؤلاء الأطفال الذين يموتون من خراب العالم الذي لم يعُد يؤمن بوجود رئة أو حياة ليست في مكانها.
إنّها دموع الله تهطل كمثل جروح على هذه الأرض، كمثل خدوش في الوجوه التي تحسّ بهذا الرذاذ الذي لا يشعر به الكثيرون، وجوه تشفق على الأطفال الذين لم يعودوا يضحكون لأنّهم صاروا بلا وطن.
إنّها دموع الله، الزمن الذي تنهض فيه فلسطين من بين الرماد. حينها سأشعر بنبضات قلبها خلف النجوم التي تتخلّى عنّا. إنّها دموع الله التي أحسُّ بها في قلبي، وكأنها دموع إنسان غريب يسكنني. البشر الذين يسقطون على رؤوس الآخرين، على حجارة هذه الأماكن حيث يلعبون لعبةً لا ثمن لها.
الدم الضارب يتدفّق من الأرض إشارةً على بكاء الله
لم يسبق لي أن رأيت معاناة أكبر من تلك الصور التي يموت فيها المزيد والمزيد من الفلسطينيّين، ولا يحدث شيء، لا يوجد إجماع، كما يقولون في بعض الأماكن، كما لو كان الأمر مشروعاً للمناقشة، أو تقريراً بين تقارير عديدة.
أنا لستُ قناعاً لآلام الآخرين، لست قناعاً للجرح النازف الذي لا يُفكّر فيه أحد، ولا اسم له، حين يذهب طفلٌ إلى الحديقة بدرّاجته وينتظر الانفجار، الألم، والرأس في ألف قطعة أشلاء. عندما ينظر طفل إلى الأفق في الحديقة نفسها، وهو في الحرب. لم يعُد ثمّة واجبٌ نؤدّيه لبعضنا، والهاتف لا ينتظر. لا شيء إلّا الموت أو الرصاص. لقد عاد قابيل. ولا أغنية أمل في هذه المناطق التي تحوّلت إلى رماد. ومن مات سابقاً لم يأخذ معه إلّا شظايا وحدته أمام الوطن الذي لم يكن ملكاً لأحد.
"لم يكُن أحداً كي يقول"، قد تقول الصحف، ولم يتخيّل أحدٌ أنّه سيكون هناك. وربما كان خطأً، ولكنْ للحرب أحكام، كما يقول أهل العلم في هذه الأمور.
أنا لست قناعاً، لست إنساناً يريد أن يعثر على الرعب في المقعد الذي كان يجلس عليه، ولن ينتظر دوره، وقد كمّموا لي فمي، لكنّي رأيتُ الرعب وأشعر أنّ الدم الضارب يتدفّق من الأرض إشارةً على بكاء الله.
القطار يرحل، والوطن كمثل حركة القطار المتّجه نحو النهاية. يرحل الصبيّ على الدرّاجة الهوائية نحو النهاية، ولا أحد يقول أيّ شيء. يرحل الإنسان الذي كان محظوظاً لأنّ الحظّ لم يحالفه، ولا أحد يقول شيئاً. يرحل من كان مبتسماً وإيمانه بالأفق، ولا أحد يقول شيئاً. يرحل من ضغط الزناد ليقوم بعمله، ولا أحد يقول أيّ شيء.
يرحل الغرباء حيث لا أحد يريد الذهاب، ولا من يقول أيّ شيء. الفلسطينيون يسيرون بين الموتى، ولا أحد يقول شيئاً. ومن جاء ليبكي، يرثي الحجارة وحدها. وكانت الحجارة بلاده. كنتُ في ذلك الطيف الذي يعبر المدن والوديان. وكانت العزلة جسدي المنبعث حينما لم يكن للآخرين اسمٌ أو وطن. أنا لست قناعاً أو سقالةً تستسلم بين العواصف والجدران. يساعدني الوطن الذي هزمنا بموت بعيد، الموت الجاحد للجميع، الذي ينتظر في الخارج كأنّه يبكي على موتاه في عزلة أنقاض الوطن، لكنّي جئت كي أُنقذ الموتى، وأمنحهم إيماناً عظيماً بما لم يكُن، موزّعاً الجرح على الجميع، وعسلَ هذه الكلمات حيث يجب أن ينمو العشب طبيعةً مختلفةً عن هذه الحدود.
أهرب من مصحّات الجذام وشعارات عالَم لا يفعل شيئاً، عالم يموت بكلّ غرور، قاسٍ على فلسطين كأنّها المُذنِب، وفيما أحمل في قلبي القليل من التراب كي أصل إلى هنا وأبدأ الكلام باسم الموتى كلّهم، دون أن يعلموا أنّ للموتى كلمات أيضاً.
* ترجمة عن الإسبانية: جعفر العلوني
بطاقة
Luis Manuel Pérez Boitel شاعر وناقد كوبي من مواليد عام 1969. من أعماله الشعرية: "متّحدون في الماء" (1997)، و"لا يزال الخريف لنا" (2002)، و"المحطّة المقدَّسة" (2007)، و"تقنيات لتطبيقها على المواطنين" (2018). حاصل على العديد من الجوائز الأدبية؛ من بينها: "جائزة بيت أميركا في الشعر" (2002)، و"جائزة اللغة الإسبانية مانويل أكونيا" المكسيكية (2013).