"أطفال شاتيلا".. شهادة طفلين على المجزرة

11 مارس 2024
(مي المصري من فيلمها الوثائقي "أطفال شاتيلا"، 1998)
+ الخط -

"حاولتُ أن أقدّم فيلماً يمسُّ الناس على المستوى الإنساني. وأنا أريد أن يرى الناسُ الفلسطينيّين كما هم، وليس كما يتمُّ تصويرهم في الأخبار. أريد أن يرى الناس الأطفالَ الفلسطينيين كأطفال عاديّين، يرغبون في الضحك، ويرغبون في الحياة". قد تكون هذه الكلمات التي قالتها مرّة المخرجة الفلسطينية مي المصري (عمّان، 1959)، مفتاحاً للدخول إلى تجربتها السينمائية، التي حاولت من خلالها توثيق قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال والاستعمار. وليس فيلمها "أطفال شاتيلا" الذي تُتيحه منصّة "أفلامنا"، عبر موقعها الإلكتروني، خلال شهر آذار/ مارس الجاري، إلّا دليلاً على ذلك.

يتناول الشريط الوثائقي (47 دقيقة) حكاية عيسى وفرح؛ طفلان فلسطينيان يعيشان في مخيّم شاتيلا ببيروت. يستخدم الطفلان كاميرتيهما الرقميّتين ليحكيا قصصاً عن حياتيهما في مخيّم للّاجئين رغم المجازر والحصار والتهجير، وهما يواظبان على كتابة يوميّاتهما في المخيّم.

تستخدم صاحبة "33 يوم" صوت الأطفال لكي تروي بشاعة المجزرة. سيكون عيسى منذ بداية الفيلم، هو الذي يوثّق ويصوّر، ويروي بصوته الخافت - إمّا خوفاً أو تلعثماً من فظاعة ما حدث - للمشاهدين تفاصيل "مجزرة صبرا وشاتيلا". وما إن ينتهي حتى تنقل لنا المخرجة صورة الواقع، ومعها صورة الطفل الذي يلعب مع أقرانه بين جدران البيوت التي كان يتحدّث عنها، والتي حطّمها طيران الاحتلال.

التغلّب على واقع المجزرة من أجل هدفٍ واحد: العودة إلى فلسطين

لكن عيسى لن يكون وحيداً في مهمّة الشهادة على المجزرة، فستظهر لنا أيضاً مرح، والتي تجسّد معه، عالَم الطفولة في المخيّم. ستستفيد المخرجة من هذا الثنائي الطفولي في عملية توثيق الواقع، قبل المجزرة وبعدها، وذلك من خلال المقابلات التي سيقومان بها مع سكّان المخيّم لتعريف المشاهدين على واقعه من وجهة نظر أهله.

إنها نظرة ثلاثة أجيال، هكذا تريدها المخرجة، وهكذا سينقلها الطفلان، عبر حوارهما مع الأجداد، وسؤالهما عن معنى أن يترك الإنسان وطنه الأم. كذلك هو سؤال من عايش المجزرة بعينيه، وفقد ابناً، أو قريباً أو صديقاً أو حتى بيتاً، وسؤال الجيل الذي جاء بعد المجزرة، جيل الأطفال وجيل الأمل الراغب في الخروج من المخيم والعودة إلى الأصل، إلى الجذر، إلى فلسطين. 

سؤال المستقبل هذا سيكون حاضراً، وإجاباته ستكون مليئة بالأمل كذلك. فالجميع يريد أن يتغلّب على واقع المجزرة، والجميع يريد أن يكبر ويتعلّم ويدخل في الجامعات والمعاهد والمدارس، لكن من أجل هدفٍ واحد فحسب: العودة إلى الجذور الفلسطينية. إنه حلم العودة إلى فلسطين، مهما طال الزمن. 

ولعل المشهد الذي يحاور فيه عيسى جدّه، فيقول جدّه: "أوعدني أنك لن تنسى". هو خير دليل على ذلك، إذ يُظهر تعهّد الأجيال بالعودة إلى الوطن وكيف تنتقل الذكريات من كلّ جيل. ولأن الأشخاص الذين يعيشون في شاتيلا هم لاجئون لا يعيشون في وطنهم، فإنّ ذكرياتهم تشكّل هويتهم وتشكّلها وتؤثّر عليها بطريقة قويّة للغاية. 

يُذكر أنَّ مي المصري هي مخرجة سينمائية فلسطينية من مواليد عمّان عام 1959. طوال مسيرتها التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، قدّمت أكثر من عشرة أفلام وثائقية، تميّزت على المستوى الفنّي، وكذلك من حيث مواضيعها التي تناولت فترات مفصلية في تاريخ فلسطين الحديث بشكل خاص، وتاريخ العالم العربي عامة. وقد حازت على جوائز عديدة عن أفلام سابقة وتم تكريمها مع جان شمعون في مهرجان "كان" في فرنسا. من أفلامها الوثائقية: "أطفال النار" (1991)، و"33 يوم" (2007). ومن أفلامها المشتركة مع جان شمعون: "تحت الأنقاض" (1982)، و"زهرة القندول" (1985)، و"يوميّات بيروت" (2006).

 

المساهمون