أريستيد مايّول.. إخراج اسمٍ من عُزلته

05 مايو 2022
"فتاة في بورتريه جانبيّ"، 1890 (جزء من إحدى لوحات المعرض)
+ الخط -

ليست أعمال أريستيد مايّول وحدها التي تذكّر بالصمت. فما كتبه أندريه جيد، عام 1905، حول فنّ مايّول ("إنه عملٌ صامت")، ينطبق أيضاً على اسم الرسّام والنحّات الفرنسي (1861 ــ 1944). ذلك أنه، بخلاف منحوتاته البارزة للعيان في حدائق باريس وساحاتها، وبخلاف لوحاته الحاضرة في العديد من المتاحف الفرنسية، ما يزال اسم الفنان أقرب إلى الخفوت منه إلى أيّ شيء آخَر.

ولعلّ القائمين على المشهد الفنّي الفرنسي لم يساعدوا كثيراً في إخراجه من عزلته، أو في تعريفه على جمهور آخَر غير ذلك النخبويّ والمهتمّ بتجربته. فمنذ رحيله، قبل نحو ثمانية عقود، لم يعرف مايّول إلّا معرضاً استعادياً واحداً أُقيم في باريس، عام 1961، بمناسبة مئويّته الأولى. قلّةُ اهتمامٍ تتراجع هذه الأيام مع المعرض الضخم، الاستعاديّ، الذي يخصّصه له "متحف أورسيه" في العاصمة الفرنسية، والذي يحمل عنوان "أريستيد مايّول: في البحث عن التآلُف" (افتُتح في الثاني عشر من نيسان/ أبريل الماضي ويستمرّ حتى الحادي والعشرين من آب/ أغسطس المقبل).

رغم أنّ المعرض يحمل صفة "استعاديّ"، إلّا أن منظّميه لم يشاؤوا تكريس أو استعادة صورة مايّول في المشهد الفنّي الفرنسي اليوم أو خلال العقود الأخيرة، بل إحياء تجربته في حاضرها، وكذلك في حقيقتها، محاولين إطلاع الزوّار على ما قد يجهلونه من هذه التجربة.

معرض يُخرج مايّول من صورة الفنان المنعزل التي عُرف بها

هكذا، نعرف أن الفنّان لم يكن معزولاً تماماً كما تصوّرنا، بل كان محاطاً بعدد من أبرز فنّاني وكتّاب زمانه، الذين أبدوا إعجابهم به ووصفوه بعبارات شديدة المدائحية: من ماتيس إلى بيكاسو، مروراً بأوكتاف ميربو وبالتأكيد أندريه جيد. كما نرى مايّول في لوحة لصديقه، الفنان المعروف إدوار فويّار، وهو يعمل أمام مشغله على منحوتة ضخمة لامرأة مستلقية.

طيلة حياته، وحتى اليوم، سيُعرَف مايّول بهذا النوع من المنحوتات: نساء مستلقيات أو نصف مستلقيات، واقفات أو نصف واقفات، بتقاسيم ناعمة، متقشّفة، وبأبعاد لطالما حاوّل الفنّان إظهار انتمائهما إلى المتوسّط وملامح أهله. على أن الرجل الذي سيُشتهَر كنحّات، بدأ حيّاته تشكيلياً، قبل أن يتفرّغ تماماً للعمل في الصلصال والحجارة والبرونز وغيرها من المواد الخام. 

يخصّص المعرض صالاتٍ لهذه البدايات في الرسم، التي تبدو بعيدةً عن محاولات البدايات وبحثها. فالفنان يبدو عارفاً بما يريده: مينيماليةٌ في الخطوط، وقبل ذلك باللون، الذي يبسطه ببساطة وخفوت على أسطح اللوحات، مع اعتناءٍ بالبُعد الجماليّ، شِبه التزيينيّ. تزيينٌ ليس غريباً عليه، وهو الذي عُرف برغبته في استخدام الجمال الفنّي داخل مساحات العيش اليومي، بل ومحاولته التقريب بينهما، حيث رسم زهوراً وأشكالاً بشرية على مقتنيات وأغراض، كما نسج من القماش أعمالاً تُعلّق على الجدران، ونحت العديد من الأعمال الصغيرة الموجّهة للعرض في منازل الخاصّة، لا في معارض الفنّ.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون